الأمن، الموظفون، البرنامج السياسي. هذا هو ما كان يُوصف طويلًا، بأنه أضلاع مثلث القضايا الخلافية في مسار المصالحة الفلسطينية.
لكن اتفاق القاهرة الموقع في مايو/أيار 2011م، ووثيقة الوفاق الوطني في 2006م، والورقة السويسرية، فضلا عن عديد التفاهمات والإعلانات الوطنية، وضعت خارطة طريق لحل هذه الملفات.
وتعيد التطورات الأخيرة في ملف المصالحة الأمل للفلسطينيين بإنهاء الانقسام السائد منذ نحو 11 سنة، لا سيما مع عقد اجتماع مرتقب في القاهرة، بين حركتي حماس وفتح.
وهذا الاجتماع سيكون الأول بين الحركتين في العاصمة المصرية، بعد ترؤس رئيس الوزراء د.رامي الحمد الله وفدًا حكوميًا إلى قطاع غزة، الاثنين الماضي، ووصول وفد أمني مصري برئاسة رئيس جهاز المخابرات المصرية الوزير خالد فوزي. وغادرت هذه الوفود بعد عقد اجتماعات عدة.
الأمن والموظفون
في الشق الأمني، ينص اتفاق القاهرة 2011م، على تشكيل لجنة أمنية عليا يصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا بها، تتكون من ضباط مهنيين بالتوافق، وتمارس عملها تحت إشراف مصري وعربي لمتابعة وتنفيذ اتفاقية الوفاق الوطني في الضفة والقطاع، ويكون من مهامها رسم السياسات الأمنية والإشراف على تنفيذها.
ويؤكد الاتفاق حق الضمان الوظيفي لجميع العاملين بالأجهزة الأمنية (استيعاب - إحالة للتقاعد - نقل إلى وظائف مدنية -...).
وبحسب الاتفاق، "تبدأ عملية استيعاب عدد (ثلاثة آلاف) عنصر من منتسبي الأجهزة الأمنية السابقة في الشرطة والأمن الوطني والدفاع المدني في الأجهزة القائمة في قطاع غزة بعد توقيع اتفاقية الوفاق الوطني مباشرةً، على أن يزاد هذا العدد تدريجياً حتى إجراء الانتخابات التشريعية وفق آلية يتم التوافق عليها".
وتلخص الورقة السويسرية المتداولة، "خارطة طريق مقترحة لدمج الموظفين المدنيين في غزة"، وقد تم تحديث هذه الوثيقة في 26 سبتمبر/أيلول 2014م.
ومن المبادئ التوجيهية لعملية الدمج "أن يحصل جميع العاملين على راتب كما أن جميع العاملين الذين يتلقون راتبا يجب أن يعملوا"، وأنه "سيتم التعامل مع جميع الموظفين على قدم المساواة في عملية الدمج، وسوف تكون عملية الدمج شاملة وشفافة".
هذا فضلا عن أن "يتم بذل جهود كبيرة لدمج أكبر عدد ممكن من الموظفين بما في ذلك الموظفون في وزارة الداخلية، في حين سيتم البحث عن حلول مسؤولة وخلاقة للآخرين، وتقوم حكومة التوافق بتعيين لجان من خبراء تقنيين متخصصين تحت إشراف اللجنة القانونية الإدارية تكون هذه اللجان شرعية وممثلة سياسية كقوة تقنيا، ومستقلة بدعم إضافي تقني خارجي".
وتشير إلى أن "جميع القرارات التي تتخذها هذه اللجان خاضعة لحقوق الطعن والإجراءات القانونية الواجبة".
وعلى صعيد عمل الأجهزة الأمنية، يؤكد اتفاق القاهرة أن "أي معلومات أو تخابر أو إعطاء معلومات للعدو تمس الوطن والمواطن الفلسطيني والمقاومة، تعتبر خيانة عظمى يعاقب عليها القانون".
وكانت حماس بادرت في 17 من الشهر الماضي، في القاهرة، بإعلان حل اللجنة الإدارية الحكومية في غزة؛ "استجابة للجهود المصرية الكريمة، بقيادة جهاز المخابرات العامة المصرية والتي جاءت تعبيرا عن الحرص المصري على تحقيق المصالحة الفلسطينية"، ودعت حكومة د.رامي الحمد الله إلى القدوم إلى غزة؛ لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فورا.
وقبل ذلك كانت حكومة الحمد الله تواجه اتهامات فلسطينية بالتخلي عن مسؤولياتها في القطاع، ما أفضى إلى مصادقة المجلس التشريعي في مارس/آذار الماضي على اللجنة الإدارية الحكومية في غزة، والتي تم حلها مؤخرا.
وعلى مدار السنوات الماضية، برز ملف الموظفين الذين عينتهم الحكومة السابقة برئاسة إسماعيل هنية، في القطاع، إذ لم تصرف حكومة الحمد الله رواتبهم منذ تشكيلها في 2014م، ولم تدمجهم حتى اللحظة بموظفي السلطة.
منظمة التحرير
وبشأن الانتخابات، ينص اتفاق القاهرة 2011م، على أن تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني متزامنة، وأن تجري انتخابات الأخير على أساس التمثيل النسبي الكامل في الوطن والخارج حيثما أمكن، بينما تجري الانتخابات التشريعية على أساس النظام المختلط.
ويتضمن الاتفاق "تفعيل وتطوير منظمة التحرير وفق أسس يتم التراضي عليها بحيث تضم جميع القوى والفصائل"، وأن "المصلحة الوطنية تقتضي تشكيل مجلس وطني جديد"، يضم الكل الفلسطيني.
ولحين انتخاب المجلس الوطني الجديد تقوم اللجنة المكلفة بتطوير منظمة التحرير حسب إعلان القاهرة 2005 بعقد أول اجتماع لها كإطار قيادي مؤقت وتكون مهامها وضع الأسس والآليات للمجلس الوطني، ومعالجة القضايا المصيرية في الشأن السياسي والوطني واتخاذ القرارات بشأنها بالتوافق، وتعقد اجتماعها الأول في القاهرة لبحث آليات عملها، بحسب الاتفاق.
وتنص وثيقة الوفاق الوطني، 2006م، على "حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتمسك بخيار مقاومة الاحتلال بمختلف الوسائل وتركيز المقاومة في الأراضي المحتلة عام 1967 إلي جانب العمل السياسي والتفاوضي والدبلوماسي والاستمرار في المقاومة الشعبية الجماهيرية ضد الاحتلال بمختلف أشكاله".
وتؤكد "العمل على تشكيل جبهة مقاومة موحدة باسم جبهة المقاومة الفلسطينية، لقيادة وخوض المقاومة ضد الاحتلال وتوحيد وتنسيق العمل والفعل المقاوم والعمل على تحديد مرجعية سياسية موحدة لها".
وتوضح أن "إدارة المفاوضات" هي من صلاحية منظمة التحرير ورئيس السلطة على قاعدة التمسك بالأهداف الوطنية كما وردت في وثيقة الوفاق الوطني، على أن يتم عرض أي اتفاق بهذا الشأن على المجلس الوطني الجديد لإقراره والتصديق عليه أو إجراء استفتاء عام في الوطن والمنافي بقانون ينظمه.
كما تنص الوثيقة، على "حماية وتعزيز" السلطة الفلسطينية باعتبارها "نواة الدولة القادمة".
وتشتمل الوثيقة "على تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس يضمن مشاركة الكتل البرلمانية والقوى السياسية الراغبة على قاعدة هذه الوثيقة وبرنامج مشترك للنهوض بالوضع الفلسطيني محليا وعربيا وإقليميا ودوليا ومواجهة التحديات بحكومة وحدة وطنية قوية تحظى بالدعم الشعبي والسياسي الفلسطيني".
وهذا عدا عن "احترام مسؤوليات وصلاحيات الحكومة التي منحت الثقة من المجلس التشريعي المنتخب بانتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة".
كما تتضمن "وضع خطة فلسطينية للتحرك السياسي الشامل وتوحيد الخطاب السياسي الفلسطيني على أساس الأهداف الوطنية".
وكانت حماس أصدرت وثيقة مبادئها وسياساتها العامة في مايو/أيار 2017م، التي اعتبرت إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967، "صيغة توافقية وطنية مشتركة" لكنها أكدت أنه "لا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين".
ويقول أستاذ العلوم السياسية د.ناجي شراب بشأن تطبيق اتفاقات المصالحة: "نحن أمام انقسام لم يعد مجرد لفظ بسيط بل بنية متكاملة، وبالتالي المصالحة عملية بناء متكاملة، وعملية استيعاب كامل لبنية الانقسام".
ويضيف لصحيفة "فلسطين": "بالتالي هذا التحدي الأكبر للمصالحة"، متابعا: "هناك اتفاقيات يمكن الاسترشاد بها، لكن لا أعتقد أنه سيتم الاكتفاء فقط بما تم التوقيع عليه".
ويفسر: "ما بين 2011م (توقيع اتفاق القاهرة) و2017م نتحدث عن ست سنوات، فيها متغيرات ومعطيات وتحولات".
ويرى أن اتفاقات المصالحة ستكون "مرجعية يتم الاسترشاد بها، لكن هناك معطيات ومستجدات ستؤخذ بالاعتبار في عملية المصالحة"؛ وفق قوله.
لكن الإجابات عن التساؤلات المختلفة، ستكون حتما في اجتماعات القاهرة بين حماس وفتح، الثلاثاء المقبل.

