فيما تتصاعد وتيرة الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك يومًا بعد يوم من المستوطنين وتنظيم الصلوات التلمودية في باحاته، الأمر الذي يدعو الى القلق والغضب، لأن اقتحام المسجد الاقصى المبارك لا يقتصر على مناسبات وأداء شعائر وصلوات تلمودية فحسب، وإن كان هذا أيضًا غير مقبول ومرفوض رفضًا قطعيًا، إن هذا المكان مخصص فقط للعبادات والصلوات للمسلمين، وإنما أصبحت عادة يومية يستغلها المستوطنون بمزاعم ما أنزل الله بها من سلطان، لتنفيذ مخططات حكومة الاحتلال الساعية إلى تقسيم المسجد الأقصى مكانيًا بعد أن نجحت في تقسيمه زمانيًّا، بالسماح للمستوطنين دخوله وتدنيسه والعبث بمقدراته والإساءة بمكانته وقدسيته تحت حماية قوات الاحتلال أمام مرآى ومسمع المجتمع الدولي المنعقد اليوم في مقر الأمم المتحدة، التي أصدرت مئات القرارات لإدانة الاحتلال والاستيطان والتهويد في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولا سيما في مدينة القدس وتحديدًا المسجد الأقصى المبارك، ولم تنفذ أيًا من تلك القرارات، التي أصبحت عبارة عن حبر على ورق ليس إلّا.
لم تكتفِ الجماعات الصهيونية المتطرفة على رأسها منظمة ما يسمى بجبل الهيكل باقتحام الأقصى وإقامة الشعائر والصلوات التلمودية بذبح القرابين والنفخ في البوق… إمعان في استفزاز لمشاعر العرب والمسلمين، الذي يعد أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين وثالث المساجد، بل يعتبره الفلسطينيون لهم، الذين نفد صبرهم وقد يؤدي ذلك إلى تأجيج الصراع الديني وتسخين جبهات المقاومة على مختلف الأصعدة والجبهات والساحات، بل إن هذه الجماعات المتطرفة أطلقت شعارات تلمودية كان بنيتها الإقدام على هدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، أي مكان قبة الصخرة المشرفة التي عرج منها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا، ومن أجل تحقيق ذلك فإن الاحتلال يواصل حفرياته أسفل المسجد الاقصى المبارك، وهو ما يعرضه لخطر الانهيار من جراء أيّ هزة أرضية قد تضرب المنطقة -لا قدر الله- وهو الآن يطلق يد المستوطنين لاقتحامه يوميًا وتدنيسه بشعاراتهم التلمودية، والهدف سياسي وليس ديني، لأنهم يعرفون أنهم لا صلة لهم فيه لا من قريب ولا من بعيد، بدليل الأنفاق التي حفرها أسفله وفي محيطه ولم يعثر على أي دليل للوجود اليهودي قديمًا ولا حديثًا، وكل ادعاءاتهم باطلة.
اقرأ أيضًا: من للأقصى في مواجهة جرائم الأعياد اليهودية التلمودية؟
اقرأ أيضًا: الاحتلال وتقديرات الموقف الخاطئة
إن مكائد الاحتلال والمستوطنين للأقصى لم تكن وليدة اللحظة ولا ترجع إلى الفترات السابقة التي كشفوا فيها اقتحامه لاستفزاز مشاعر الفلسطينيين، بل سبق أن حاولوا التخلص منه بإحراقه في عام 1969 من خلال المدعى مايكل روهان الصهيوني المتطرف وقد أتت النيران على أجزاء كبيرة منه مثل منبر السلطان صلاح الدين الأيوبي، وفي مرات عديدة اقتحمه زعماء وقادة الاحتلال، الأمر الذي شجع المستوطنين على اقتحامه، غير آبهين بالعرب والمسلمين ولا يعيرون القانون الدولي والقرارات الأممية أي أهمية، بل إن الهدف الأسمى للاحتلال وهذه الجماعات والمنظمات التوراتية المتطرفة التي تعمل جاهدة ليلًا ونهارًا على تهويد المدينة المقدسة، التخلص من الأقصى وبقية المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومن هنا جاءت دعوة هذه المنظمات المدعومة من بن غفير إلى أوسع عمليات اقتحام للأقصى من كل مكان وبأعداد كبيرة، إذ تعد العدة لذلك وتقوم بحشد المستوطنين، بعد أن قامت في اليومين الماضيين بصلوات تلمودية أمام مبنى المجلس الإسلامي وأمام باب حطة قرب الاقصى، ليروا ردة الفعل من المقدسيين على ذلك تمهيدًا لعمليات الاقتحام واسعة النطاق في الأيام المقبلة تزامنًا مع ما يسمى بعيد "الغفران".
فما يرتكبه الاحتلال والمستوطنون من اعتداءات واقتحامات على الأقصى وفرض حصار على القدس وعزلها عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع، ومنع الفلسطينيين من تلك المناطق أداء الصلوات في الأقصى ومنعهم من دخول القدس، وعمليات الإبعاد واعتقال المقدسيين والمرابطين والخطباء والحراس وإبعادهم عنه، في مثل هذه المناسبة العطرة لمولد النبي الكريم التي يستغلها الفلسطينيون بالصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وفي الجانب الآخر تقدم سلطات الاحتلال كل التسهيلات وتوفر الحماية والحراسة اللازمة للمستوطنين لاقتحامه، وقد تكون الشرارة التي تشعل الأرض تحت أقدام الصهاينة، لأن المقاومة كثيرًا ما حذرت من الاعتداء على الأقصى، وهي تتحين الفرصة المواتية للدفاع عنه، هذا من جانب ومن جانب آخر، قد تتدرج كرة اللهب إلى اندلاع انتفاضة عارمة تحرق الأخضر واليابس، وما حدث في عام 2021 عندما ثأرت غزة للقدس والأقصى في أقوى المعارك مع الاحتلال، التي ما تزال عالقة في أذهان قادته، فهذا يائير لبيد زعيم المعارضة يقول في تغريدة على تويتر: "يجب أن لا يصعد إيتمار بن غفير إلى الحرم، فهذا استفزاز سيؤدي إلى عنف وسيعرض حياة الناس للخطر ويودي بحياة البشر"، فهذا الكلام لم يأتِ من فراغ، بل تذكره بأن "سيف القدس" لا يزال مشرعًا.