كثيرة هي الشواهد على التقارب السعودي الإسرائيلي، ولن يكون آخرها تصريح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لشبكة فوكس نيوز، واعترافه بأن كل يوم يقترب من التطبيع مع إسرائيل أكثر، فقد سبق هذا التصريح موافقة السعودية على مشاركة وفد إسرائيلي في اجتماعات منظمة اليونسكو في السعودية، وقد سبق تصريح الأمير موافقة السعودية على تحليق الطائرات الإسرائيلية في سماء السعودية العربية، ذهابًا وإيابًا إلى الهند، وغيرها من دول شرق آسيا، وقد سبق تصريح الأمير موافقة السعودية على تمديد خطوط سككك الحديد، التي ستعبر من الأراضي السعودية، لتربُط دول شرق آسيا مع دول أوروبا، مرورًا بالموانئ الفلسطينية التي صارت إسرائيلية، بعد أن اغتصبها الصهاينة، وسبق كل ذلك ما ذكرته صحيفة معاريف عن لقاء سري حدث في شهر 11/ 2020 بين نتانياهو وبن سلمان، في مدينة نيوم على البحر الأحمر.
وكمؤشر على قرب التطبيع مع العدو الإسرائيلي، عيّنت السعودية أول سفير لها غير مقيم في فلسطين، ويرى المراقبون أن هذه خطوة متقدمة، عززتها زيارة وفد فلسطيني للسعودية، يضم بعض المقربين من رئيس السلطة محمود عباس، بهدف عرض المطالب الفلسطينية، التي ستزيل العقبات المعنوية أمام السعودية، لتجتَاز عتلة القضية العربية التي تضن (إسرائيل) في حلها.
المؤشرات السابقة جعلت نتنياهو يتفاخر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه صانع السلام، وأن كيانه الغاصب على طريق تحقيق السلام الشامل، وأن التطبيع مع السعودية لن يقود إلى السلام بين شعوب المنطقة، بل سيحقق السلام بين اليهودية والإسلام، وبين "أورشليم" القدس ومكة المكرمة، متجاهلًا القضية الفلسطينية، بعد أن قلل من شأن الشعب الفلسطيني، الذي يشكل 2% فقط من الشعوب العربية، كما وصف ذلك نتنياهو، وعليه لا يحق للأقلية أن تضع فيتو على التطبيع الذي تسعى له الأكثرية.
اقرأ أيضًا: التطبيع: لماذا لا يُستفتى الشعب الفلسطيني؟
اقرأ أيضًا: خطابات الوهم والوهن
لقد تعمد نتنياهو أن يتجاهل الشعب الفلسطيني، وهو يعرف أن وجدان الأمة العربية كلها مع الشعب الفلسطيني، وتعمَّد نتنياهو أن يضع اليهودية في موازاة الإسلام، وهو يعرف أن المسلمين عدة مليارات من البشر، في حين اليهود حفنة، وتعمد نتنياهو أن يجعل من "أورشليم" القدس أرضًا يهودية، ودون وجلٍ أو خجل، جعل "أورشليم" تناطح بقداستها اليهودية قداسة مكة الإسلامية.
حديث نتنياهو الذي صفق له كل المتطرفين اليهود، يؤكد أن نتنياهو يسعى لأن يجني الربح من البلاد العربية، دون أن يدفع للفلسطينيين شيئًا، سوى الوعود بمساعدة الفلسطينيين ماليًا، وتقديم المزيد من التسهيلات الحياتية، وهذا مبدأ إسرائيلي راسخ، لا يشكك فيه إلا كل جاهل في السياسة، وهذا الذي يجرفنا للحديث عن موقف الفلسطينيين المتباين من التطبيع، فموقف قيادة منظمة التحرير يقول:
إن التطبيع قائم كالقضاء، ولا يمكن رد القضاء، سواء رفضنا أو وافقنا، فالأنظمة العربية سادرة في التطبيع وعليه، فإن السياسة تقضي بأن نسترد من المال الضائع ما تسمح به الظروف، حتى ولو كان المقابل استئناف ضخ المساعدات المالية السعودية، مع إعلان إسرائيلي بالموافقة على حل الدولتين.
وهناك غالبية الشعب الفلسطيني، غالبية ترفض التصفيق لفتات الموائد وكأنه إنجاز، هذه الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني، مدعومة من الشعوب العربية، تراهن على الزمن، وعلى المتغيرات الدولية والإقليمية، وتراهن على قدرات الشعب الفلسطيني الظاهرة والكامنة، وهي قدرات ستخلط الأوراق، وتخض ركود المعادلات.