ترافق ولاء دياب ابنها عبد الله المريض بالفشل الكلوي في كل مرة يخضع فيها لجلسات غسيل الكلى بمستشفى عبد العزيز الرنتيسي شمال غرب مدينة غزة.
وتحرص ولاء على انتظام ابنها البالغ (10 أعوام) بجلسات الغسيل وعدم التأخر عنها إطلاقًا، فهو ليس بمقدوره الاستغناء عنها أو العيش دونها.
لكن أكثر ما يثير قلق ولاء إمكانية توقف جلسات الغسيل في أقسام المستشفيات المتخصصة - كما أعلنت وزارة الصحة- بفعل عدم توافر المستهلكات الطبية اللازمة لعملية الغسيل، معربة عن خشيتها لصحيفة "فلسطين" بقولها: إنها تخشى فقدان ابن آخر لها.
وكانت هذه السيدة التي يحيط بها الحزن من كل جانب ويتجلَّى على وجهها بوضوح قد تُوفي لها ابنان مصابان بالفشل الكلوي في السنوات الماضية، هما: محمد، ومجد.
وطيلة 15 سنة منذ أن ولد ابنها البكر إلى حين وفاته، رافقته إلى المستشفيات للخضوع لجلسات الغسيل الكلوي، وكذلك ابنها مجد الذي تُوفي بعمر 5 أعوام.
وهي حاليًا تصحب ابنها عبد الله قادمة من حي تل الهوا جنوب مدينة غزة إلى جلسات غسيل الكلى 3 مرات أسبوعيًا في مستشفى الرنتيسي، وتستمر الجلسة الواحدة 4 ساعات.
وعن مرض عبد الله بالفشل الكلوي: ظهرت في البداية أعراض إصابته بحصوات في الكلى وتضخم في الكبد، وتفاقمت حالته لاحقًا إلى أن أصبح مريضًا بالفشل الكلوي.
تبدو والدة عبد الله كأنها تحمل همومًا لم تقدر الجبال على حملها، فهي فضلاً عن فقدانها اثنين من أبنائها، تعيش ظروف قلق وخوف لا تمر بها من قِبل خشية أن تفقد ابنًا ثالثًا.
وتشكل جلسات الغسيل شريان الحياة لمرضى الفشل الكلوي، وتوقفها يعني وفاتهم.
اقرأ أيضاً: الصحة بغزة تحذّر من توقف أقسام غسيل الكلى بالمستشفيات خلال أيام
وتأتي فداء يونس من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة إلى مستشفى الرنتيسي، لإخضاع ابنتها إلين (10 أعوام) لعمليات الغسيل بواقع 3 جلسات أسبوعيًّا.
الساعة الأصعب بالنسبة لإلين ووالدتها هي الساعة الأخيرة من جلسة الغسيل، فبينما تتأوه الطفلة من آلام الرأس والبطن والظهر، ويرافق ذلك انخفاض معدَّل ضغط الدم، تشعر الأم بما تشعر به ابنتها، وتتمزق ألمًا من داخلها.
وأضافت فداء لـ"فلسطين" أن مرض ابنتها بالفشل الكلوي جعلها غير قادرة على الذهاب إلى المدرسة، وفرض عليها واقعًا جديدًا عنوانه جلسات الغسيل الكلوي.
وتعمل والدتها باهتمام شديد على دعمها نفسيًا، وجعلها تعيش حياة شبه طبيعية إلى جانب شقيقاتها الثلاث.
وكانت إلين قد أصيبت بالتهابات حادة فاقمت حالتها الصحية فجأة، ما تسبَّب بإخضاعها لجلسات غسيل كلى.
وأبدت والدة إلين خشيتها من أن مكروهًا قد يصيب ابنتها، مشيرة إلى أن توقف جلسات الغسيل يؤدّي إلى انتفاخات كبيرة في جسدها، وقد يودي بحياتها.
من جهته أشار أخصائي كلى الأطفال الطبيب محمد الأنقر إلى العجز الحاصل في المستهلكات الطبية فيما تسمَّى "اللاينات (القسطرة الوريدية)" ووظيفتها نقل الدماء من جسم المريض إلى الجهاز الطبي المتخصص وإعادتها إلى الجسم بعد تنقيتها، وكذلك "الفلاتر" المسؤولة عن تنقية الدم من السموم والسوائل الزائدة.
وبيَّن الأنقر لـ"فلسطين" أن وزارة الصحة لم تعانِ من قبل مثل العجز الحاصل حاليًا، مبينًا أن ثمن "اللاين (القسطرة)" الواحدة قد يصل لـ400 دولار، وهي غير متوفرة في مخازن الوزارة أو في الشركات المحلية المستوردة من الخارج.
ولفت إلى أن قسم غسيل الكلى في مستشفى الرنتيسي يخدم عشرات الأطفال ممن ليس بإمكانهم العيش دون عمليات غسيل، مؤكدا أن الحصار الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ نحو 17 سنة يحول دون توفر مستلزمات غسيل الكلى، وتسبّب بعجز كبير في المستهلكات الطبية.
وكانت وزارة الصحة قد حذَّرت من أن 1100 مريض بالفشل الكلوي بينهم 38 طفلًا يرقبون بخوف وقلق كبيرين عدم تمكنهم من تلقي خدمة غسيل الكلى بسبب عدم توافر المستهلكات الطبية.
وحمَّلت الصحة في مؤتمر صحفي، أخيرًا، الاحتلال المسؤولية عن معاناة مرضى الكلى بغزة وتفاقم معاناتهم من جرَّاء حصاره المتواصل.
وبيَّنت أن مخازنها فارغة تمامًا من "فلاتر" غسيل الكلى و"الكانيولات" و"أنابيب نقل الدم"، محذّرة من توقف عمل أقسام غسيل الكلى خلال أيام.