أشهرت وزارة التربية والتعليم في رام الله "عصاها الثقيلة" ضد المعلمين الذين شاركوا في الاحتجاجات النقابية المطالبة بحقوقهم، إذ تواصل إجراءاتها التعسفية بحق عددٍ منهم، مثل النقل التعسفي من مدرسة إلى أخرى، وحجز الرواتب، وآخرها تعليق عمل بعضهم.
وعلى الرغم من إعلان حراك المعلمين في 16 أبريل/ نيسان الماضي، تجميد الإضراب الذي استمر 80 يوماً، حتى العاشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد ضمانات تلقاها بشأن الالتزام بالاتفاقيات الموقعة، إلا أن وزارة التربية والتعليم لم تتوقف عن إجراءاتها التعسفية، ومعاقبة المشاركين في الإضرابات.
وشكّلت وزارة التربية والتعليم لجانًا للتحقيق مع المعلمين الذين شاركوا في الإضرابات، ووجهت لهم استدعاءات للمقابلة، وأجبرتهم على توقيع تعهد بالالتزام بالدوام المدرسي، وعدم المشاركة بأي فعاليات نقابية للمطالبة بحقوقهم، حسبما روى عدد من المعلمين.
وفي أبريل/ نيسان الماضي 2022، وقّعت وزارة التربية والتعليم اتفاقاً مع حراك المعلمين، وبضمانات من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان وشخصيات اعتبارية، ينص على إدخال 10% بالمائة من العلاوة المتفق عليها عام 2022 والبالغة 15% إلى موازنة عام 2023، على أن تُنفذ بحد أقصى في راتب يناير/ كانون الثاني 2024.
اقرأ أيضاً: تقرير حكومة اشتية تتجاهل مطالب المعلمين والأطباء والمستشفيات مهددة بالإغلاق يوم الأحد
يقول المعلم يوسف اجحا الموقوف عن العمل، كونه أحد نشطاء حراك المعلمين: إن وزارة التربية والتعليم تتجاوز القانون الفلسطيني في إجراءاتها التعسفية ضد المعلمين، إذ تواصل توقيف عددٍ منهم عن العمل، وتحتجز رواتب وتنقل وتستدعي آخرين.
وأوضح اجحا لصحيفة "فلسطين"، أن عدد الذين أحالتهم إلى التوقيف عن العمل وحجز رواتبهم وصل إلى 500 معلم في بداية الأمر، لكن الوزارة استدعت غالبيتهم وهددتهم وأجبرتهم على التوقيع على تعهدات بعدم العودة إلى الإضرابات، وابتزتهم بقطع الرواتب.
وأشار إلى أن أعداد المعلمين الموقوفين عن العمل تقلصت بشكل كبير بفعل التهديدات التي تعرضوا لها، وإجبارهم على توقيع التعهدات، معتبراً هذه الإجراءات "مخالفة للقانون".
وأضاف: "لا يجوز إحالة الموظف إلى لجان التحقيق وإيقافه عن العمل بهذا الشكل، والأصل أن تكون هناك إجراءات مسبقة"، لافتاً إلى أن عقوبة الوقف عن العمل مشروطة بصرف راتب لا يشمل المواصلات، "لكن للأسف الوزارة لم تصرف الراتب بأكمله".
وبيّن اجحا أنه لا يزال موقوفًا عن العمل دون استدعائه للتحقيق من اللجنة، منتقداً في الوقت ذاته دور الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان والمؤسسات الحقوقية الأخرى بشأن وقف الإجراءات التعسفية بحقهم، بصفتها راعية للاتفاق بين الوزارة والحراك.
ووفق قوله، فإن دور الهيئة المستقلة ما زال ضعيفاً، إذ تعمل على رصد الحالات والتواصل مع الوزارة، معرباً عن أمله أن تضاعف جهودها من أجل حل الأزمة الراهنة، ووقف الإجراءات التعسفية ضدهم.
ولا يختلف حال المُعلم محمود الأعرج من بيت لحم، الذي لا يزال موقوفاً أيضاً عن العمل بعد تضامنه مع زميله "اجحا"، والذي استدعته وزارة التربية والتعليم أول من أمس للتحقيق حول مشاركته في الإضراب الاحتجاجي.
وأوضح الأعرج لصحيفة "فلسطين"، أن لجنة التحقيق في الوزارة وجهت له لائحة اتهام، منها التحريض على الوزارة، والتشويش على سير العملية التعليمية، وعدم التزامه بقراراتها.
وبيّن أن اللجنة طلبت منه التوقيع على تعهد بالعودة إلى دوامه الطبيعي، وعدم خوض أي إضراب نقابي أو التحريض على الحكومة والنظام، مع تلويحها له بالفصل ووقف الراتب، لكنه رفض التوقيع.
وبحسب الأعرج، فإنه تسلّم قرار الوقف عن العمل في تاريخ 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، ولا يزال سارياً خاصة بعد رفضه التوقيع على التعهد.
وأشار إلى أنه تعرض إلى سلسلة من التنقلات التعسفية منذ بداية العام الدراسي، وأخيراً تم إيقافه عن العمل؛ بسبب تضامنه مع زميله "اجحا".
وقال: "بات واضحاً أنه ليس هناك حسيب أو رقيب أو رادع ضد الوزارة، الأمر الذي يدفعها إلى الاستمرار بإجراءاتها التعسفية ضد المعلمين، وأصبح لا يوجد أي ضامن على الحكومة من الهيئة المستقلة والمؤسسات الحقوقية".
إجراءات تعسفية
بدوره، وصف مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان جنوب الضفة الغربية، فريد الأطرش، إجراءات وزارة التعليم ضد المعلمين بـ"التعسفية"، مؤكدًا أنها تهدف إلى الضغط عليهم من أجل منعهم من حقهم في ممارسة العمل النقابي.
وأوضح الأطرش لصحيفة "فلسطين"، أن الهيئة المستقلة تلقت عدة شكاوى من المعلمين، وتعمل على متابعتها مع الوزارة، مؤكداً رفضه منع الحق في العمل النقابي.
وأعرب عن أمله بمعالجة القضية وإنهائها في أسرع وقت ممكن، وألا يكون هناك معلمون ضحية للعمل النقابي والاضرابات بفعل تعرضهم لإجراءات تعسفية، مشيراً إلى أن الهيئة ستبقى متابعة لهذا الملف، علماً بأن هناك مؤسسات حقوقية أبدت استعدادها للوقوف بجانب المعلمين.
تجدر الإشارة إلى أن الاتفاق نص أيضاً على تشكيل اتحاد ديمقراطي للمعلمين، يكفل لهم حرية الترشح للانتخابات، في مدة أقصاها العاشر من أيلول/ سبتمبر القادم.