في كلمات قادة الدول وممثليها على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة يحرص كل متحدث على أن يكون كلامه بليغًا ومفهومًا ويعبّر عن رؤية بلاده، ولا سيما إزاء القضايا السياسية المحلية والدولية التي يهتم بها المجتمع الدولي. وفي كل خطاب يمكنكم استخلاص خطوط عريضة لسياسة دولة الخطيب.
فنتنياهو مثلًا، يرى أن دولته نجحت في تحقيق تطبيع علاقات سياسية واقتصادية مع دول عربية مهمة دون أن تلتفت هذه الدول إلى اعتراضات الفلسطينيين، وهو ما يؤكد فلسفته السياسية القديمة بأنه يمكن صناعة سلام وتطبيع مع العرب وإن لم يتحقق السلام مع الفلسطينيين.
عرض نتنياهو في هذا المجال خريطة تبين حالة التواصل الطبيعي بين منطقة الخليج والمملكة والأردن ومصر والسودان و(إسرائيل) الآن، في حين كان هذا غير متوفر في عام ١٩٤٨م.
وحين تعرّض للسلام والتطبيع مع السعودية قال: نحن على أعتاب صناعة اتفاقية سلام، ويجب ألّا نعطي الفلسطينيين حق الفيتو، فقد صنعنا سلاما مع أربع دول عربية دون أن يكون للفلسطينيين حق النقض.
أما محمود عباس الذي جاءت كلمته بعد كلمة نتنياهو فقد قال إن السلام والاستقرار يبدآن من فلسطين، ودون فلسطين ودولة فلسطين لا تطبيع ولا سلام. إن قول محمود عباس هذا لا يصمد أمام كلام نتنياهو، فقد تمكنت دولة الاحتلال من التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ولم تربط هذه الدول العربية موقفها بشروط فلسطينية.
اقرأ أيضًا: التطبيع: لماذا لا يُستفتى الشعب الفلسطيني؟
اقرأ أيضًا: لقاء كوهين المنقوش.. ما الذي تبحث عنه(إسرائيل) في ليبيا؟
لماذا كان هذا الموقف؟ هناك إجابات عديدة، ولعل من أهمها حالة التفكك العربي، وسقوط المقولات القومية: "لا للاعتراف، لا للتطبيع". إضافة إلى أن ما يحصل هو نتاج مباشر لاتفاقية أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير، إذ فتحت بها الطريق أمام دولة الاحتلال للوصول المباشر للعواصم العربية (الفلسطيني طبع فلماذا لا يطبع العربي؟).
إنه لمن المؤسف أن نقول إن نتنياهو عرض في كلمته نتائج وإنجازات عمل سنوات، في حين عرض محمود عباس معادلات لغوية لا تلتقي معه عندها الدول العربية، ولا سيما التي طبعت علاقاتها، أو تلك التي تعتزم التطبيع لاحقا.
إن مصالح الدولة القطرية الوطنية تتقدم على المطالب الفلسطينية بسبب العالمين السابقين. لقد هدم قادة عرب المبادرة العربية، وأبرموا اتفاق أبراهام خارج نصوص المبادرة العربية، في حين يواصل محمود عباس التمسك بها، وكأنه لا يرى مظاهر ما حل بها من هدم. إن حالة الضعف الفلسطيني لا يمكنها منع التطبيع، ولا إلزام قادة العرب بمبادرتهم، وبلاغة الكلام أمام الجمعية العامة لا يعالج ضعفنا، ولا يلامس واقعنا. والحل كيف نكون أقوياء.