على وقع أحداث متشابكة وآخذة في التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بكل مناطق وجودهم في الضفة والقطاع، جاءت عملية دهس جندي إسرائيلي أمس (الخميس) قرب حاجز قلنديا شمالي مدينة القدس المحتلة لتؤكد أن سفن الفلسطينيين تجري بما لا تشتهيه رياح الاحتلال الذي فقد السيطرة التامة على الضفة المحتلة، بدليل استمرار أعمال المقاومة وتنفيذ العمليات الفدائية الجريئة، ردًا على التصعيد الصهيوني المتواصل ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
لا شك أن العملية الفدائية جاءت خلال الـ48 ساعة ردًا طبيعيًا على ارتكاب الاحتلال مجزرة في مخيم جنين وعقبة جبر والخليل وغزة الأربعاء الماضي، وقتله 6 فلسطينيين وجرحه آخرين، وهي تؤكد أن الرد الفلسطيني كان وسيظل حاضرًا على جرائم الاحتلال ومستوطنيه، فبغض النظر عن حجم العملية فإنها تعد "نوعية بامتياز"، وتأتي في ظل الاعتداءات والاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى المبارك والحرم الإبراهيمي في الخليل، إضافة إلى إجراءات القمع ضد المواطنين الفلسطينيين من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومحاولاتها تدجين الفلسطينيين وإرهابهم بعملياتها العسكرية واستهدافها المستمر للمقاومين، وتكمن أهميتها بهدفها المحقق وبطريقة تنفيذها والإعداد لذلك، والوصول إلى الهدف بنجاح، وهذا يدل على شجاعة المنفذ، الذي استطاع وحده اختراق الحواجز والتحصينات العسكرية وكاميرات المراقبة بالدخول إلى المنطقة المشددة أمنيًا القريبة من الحاجز العسكري وتنفيذ عمليته بسهولة، تأكيدًا على فشل المنظومة الأمنية والاستخباراتية لدى الاحتلال، كما أن العملية تبعث برسالة للاحتلال مفادها أن الفلسطينيين في الضفة أو غزة لم يمرروا جرائمه بحقهم دون الرد السريع عليها، فالقدس تثأر لغزة وجنين والخليل، وغزة لم تسكت على جرائمه في الضفة والقدس المحتلتين.
إن استمرار العمليات الفدائية في الضفة بصفة عامة والقدس بصفة خاصة له معنى واحد؛ أن الاحتلال لم يستطع حسم المعركة مع المقاومة الباسلة، بدليل ردها السريع على جرائمه، بهدف تحقيق أي إنجاز أمني حتى لو كان على حساب المدنيين، لإرجاع الهيبة والردع اللذَيْن تآكلا في المدة الأخيرة وتراجعت معهما أسطورة الجندي الذي لا يقهر، كما حدث في 3 يوليو الماضي في معركة “بأس جنين”، وقد سمّى الاحتلال هذه العملية العسكرية في حينها بـ“بيت وحديقة”، إذ إنه دفع فيها بتعزيزات عسكرية ضخمة لأكثر من لواء مكون من ألف وستمائة جندي، بالمدرّعات والدبابات وطائرات الأباتشي والصواريخ، وأسراب كاملة من المسيّرات العسكرية ومنظومة استخبارات هائلة -كما وصفها مراقبون- فقد كانت (إسرائيل) في السابق تستطيع بهذا الكم من الجيش والعتاد أن تحتل دولة بكاملها، ولكنها عجزت عن التوغل في مخيم جنين الذي لا تتجاوز مساحته نصف كلم، وهو من أكثر المخيمات ازدحامًا بسبب الكثافة السكّانية التى تصل إلى ما يقارب ستة عشر ألف لاجئ شردهم التطهير العرقي الإسرائيلي في أثناء نكبة عام 1948، ولا يزال أهل المخيم صامدين فيه، على الرغم من أن قوات الاحتلال قتلت أعدادًا كبيرة من المدنيين في مخيم جنين ودمرت بنيته التحتية بالكامل، وهدمت الكثير من بيوت المواطنين، وجرفت الشوارع والمزارع، لكنها لم تستطع قتل روح المقاومة في جنين أو في عموم المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وعليه فإن المعركة في الضفة مفتوحة مع الاحتلال الذي يصر على عدوانه على الشعب الفلسطيني.
الجميع أصبح مدركاً أن المقاومة في جنين أصبحت رقماً صعباً، وأن الاحتلال لا يستطيع أن يفعل كل ما يريده، بل نراه ينسحب ويهرب بقواته تحت ضرباتها الشديدة التي تلاحقها في كل مكان في الضفة المحتلة، وأن كل الأمثلة السابقة تدلل على حالة الضعف الأمني والعسكري الصهيوني، بعدم مقدرته على إرجاع سيطرته الأمنية على أغلب مدن وقرى الضفة، وعلى رأسها جنين، القلعة التي انطلقت منها شرارة المقاومة ولا تزال صامدة في وجه مخططات الاحتلال، وما تحظى به من حاضنة شعبية مناصرة لها وللمقاومة ضد العدوان الصهيوني، وضد التنسيق الأمني، الذي فرض على الأجهزة الأمنية واجب حماية الاحتلال والمستوطنين، وإلا لماذا لا تتصدّى الأجهزة الأمنية لقوات الاحتلال التي تمرّ من جانب مقراتها في أثناء اجتياحها مخيم جنين؟ ولماذا لا تشارك في التصدي لاعتداءات المستوطنين الإرهابية ضد الفلسطينيين؟ أو أقل القليل لماذا لا تلغي اتفاق العار فعلياً، وليس شكلياً؟ بل إننا نطالبها بتحريم الدم الفلسطيني، ووقف كل أشكال الاعتقالات السياسية، والإفراج العاجل عن جميع المعتقلين السياسيين والمقاومين، ووقف حملات التحريض الإعلامية المغرضة ضد المقاومة.