تحل علينا الذكرى الــ(41) لمجزرة صبرا وشاتيلا في منتصف شهر سبتمبر/ أيلول 1982، التى نفذتها قوات إسرائيلية وعملاؤها في لبنان من مليشيات وكتائب لبنانية بحق اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان، استخدمت الأسلحة البيضاء وغيرها فى عمليات التصفية لسكان المخيم العزل، بعد إغلاق منافذ المخيم من قوات الاحتلال الإسرائيلية، التي استغرقت 48 ساعة من القتل المستمر وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة والطيران الإسرائيلي بإشراف كل من المجرمين أرئيل شارون ورفائيل إيتان من الطرف الإسرائيلي، ومليشيات ما كان يسمى بجيش جنوب لبنان الموالي (لإسرائيل) التي كان يتزعمها المدعو أنطوان لحد، وكذلك المدعو إيلى حبيقة المسؤول البارز فى حزب الكتائب اللبنانية المارونية المشاركة في المجزرة، نفذت المجزرة بحجة "تطهير المخيمات من المسلحين"، في حين لم يعثر على جثمان فلسطيني واحد مسلح، والقتلى كانوا من المدنيين العزل جلهم من النساء والأطفال وكبار السن، بحسب الروايات والصور الموثقة.
بدأت خيوط المؤامرة تتضح بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية والفدائيين أواخر آب/سبتمبر من نفس عام المجزرة، إلى كل من الأردن والعراق وتونس واليمن وسوريا والجزائر وقبرص واليونان، وبعد انسحاب القوات متعددة الجنسيات بأيام قليلة سبقت المجزرة وقبل موعدها الرسمي بعشرة أيام وهم: القوات الأميركية في 10 أيلول 1982، والقوات الإيطالية في 11 أيلول، والقوات الفرنسية في 13 أيلول، ورغم وجود ضمانات أميركية واتفاق “فيليب حبيب”، بعدم دخول جيش الاحتلال الإسرائيلي لبيروت الغربية، وضمانة حماية المدنيين الفلسطينيين وعوائل الفدائيين الذين خرجوا من بيروت، إلا أن المجزرة نفذت بدم بارد من عصابات الإجرام فكان تواطؤ الاحتلال الإسرائيلي واضح، تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي، دون أن يحرك ساكناً.
اقرأ أيضا: الاغتراب بعد أوسلو.. الفلسطيني ليس بطلًا في قصص كافكا!
أما بالنسبة لعدد ضحايا المذبحة البشعة فكانت كبيرة جداً مقارنة بالمدة الزمنية للمجزرة، ما يوضح أن الإعداد والتخطيط المسبق كان سيد الموقف، بدأ بإحكام الآليات العسكرية الإسرائيلية إغلاق كل مداخل النجاة إلى المخيم فلم يُسمح للصحفيين ولا وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية بقتل المدنيين في بيوتهم بلا هوادة من عصابات الإجرام، الذين نفذوا جريمتهم البشعة بصمت وسرعة بعيداً عن كاميرات الصحافة والإعلام، دليل على همجية واحتراف المجرمين في القتل وغلهم في إراقة الدم الفلسطيني، وقد تضاربت الأرقام بشأن عدد ضحايا المجزرة البشعة، لكن تقديرات تتحدث عن أكثر من ثلاثة آلاف شهيد وشهيدة وقعوا ضحايا للمجزرة بين رجل وامرأة وطفل، قتلوا فى أقل من 48 ساعة، من أصل 20 ألف نسمة كانوا يسكنون صبرا وشاتيلا وقت حدوث المجزرة، أما الصحفي الإسرائيلي الفرنسي أمنون كابليوك فقال في كتاب نشر عن المجزرة: إن الصليب الأحمر جمع 3000 جثة، في حين جمع أفراد الميليشيا اللبنانية 2000 جثة إضافية، ما يشير بوضوح إلى ضخامة عدد الضحايا لما يقارب ربع سكان المخيمين.
مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا هي واحدة من تاريخ طويل حافل بالمجازر والجرائم الصهيونية البشعة، فقد أبادت قوات الاحتلال الإسرائيلية قبلهما مخيمي النبطية وتل الزعتر عن بكرة أبيهما في السبعينات، إذ إن المقصود هو إنهاء وجود اللاجئين الفلسطينيين والتخلص من مخيماتهم، التي تعد شاهدًا تاريخيًا على النكبة في عام 1948، وقد ارتكب الصهاينة أبشع المذابح في المدن والقرى الفلسطينية، أشهرها مذبحة دير ياسين، حيث قتلت وهجرت العصابات الصهيونية المسلحة وهي: منظمات إرهابية مثل هاجاناه وبالماخ وشتيرن، المئات بل الآلاف من الفلسطينيين في عملية هي الأكبر في التاريخ المعاصر من التطهير العرقي.
رغم كل جرائم الاحتلال واقترافه أبشع المجازر بإراقة الدم الفلسطيني في الداخل والشتات، فالشعب الفلسطيني عود الجميع أنه لا ينسى حقه في الدفاع عن نفسه وأخذه طاره بيده، فلم يمض على مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا، التي بقيت ذكراها الأليمة عالقة في ذاكرة كل فلسطيني وملء قلبه غضباً، إلا أن سنوات قليلة كانت كفيلة لاندلاع الانتفاضة الأولى العارمة في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد كان من أسبابها المباشرة الانتقام لإخوانهم وأهاليهم الشهداء في مخيمات لبنان، وقد أذاقت الاحتلال مرارة وحرمة الدم الفلسطيني لسنوات طويلة من المقاومة والعمليات الفدائية التي هزت كيانه وزعزعت أمنه واستقراره.
لكن ثم سؤال يطرح نفسه في الذكرى الأليمة للمجزرة؛ ماذا عن دور منظمة التحرير التي احتضنتها المخيمات الفلسطينية ودافعت عنها ودفعت الغالي والنفيس من أجلها، التي خرجت من لبنان ولم تؤمن المخيمات، هل تركت المخيمات بهذه السهولة فريسة للصهاينة والميليشيات اللبنانية، اللذين يتربصون ويدسون لهم المكائد للقضاء عليهم؟ التاريخ يعيد نفسه ولم تتعلم منظمة التحرير ومعها السلطة من الدروس والعبر السابقة والاستفراد بالمخيمات الفلسطينية واحدة تلو الأخرى ولم تضع حدًّا لأطماع الأعداء، والعمل على حل مشكلاتهم، لما يواجهونه من معاناة حياتية وظروف معيشية صعبة، وقد زادت الأحداث والاضطرابات الأمنية الطين بلة كما هو حال مخيم عين الحلوة، أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، الذي شهد في الأيام القليلة الماضية اقتتال داخلي من مجموعات مسلحة تحركها أيدٍ خفية، ما من شك يقف وراءها الاحتلال الإسرائيلي المستفيد الأول من ذلك، فكلما شهد المخيم نوعًا من الاستقرار والهدوء، تتجدد فيه المعارك، لما يحاك ضده من المصائب ويدبر له المكائد وتستيقظ فيه الفتن، بهدف إفراغه وتشريد سكانه.
أخيرًا؛ تمثل هذه المجازر جرائم حرب يجب أن يحاسب عليها الصهاينة الملطخة ايأيهم بدماء الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني على مدار عقود طويلة منذ أن وطئت أقدامهم أرض فلسطين ولا يزالون يواصلون القتل والإجرام وسفك دماء الفلسطينيين الأبرياء دون حساب أو عقاب، وتواطؤ غربي بمعاملة (إسرائيل) فوق القانون الدولي وعدم تطبيق العدالة الدولية عليها، لأن المجتمع الدولي يكيل بمكيالين، ما جعلها تتمادى في إجرامها.