أصيب 12 مرة برصاص جيش الاحتلال خلال مشاركته بمسيرات "العودة" وكسر الحصار، كانت بعضها خطيرة، وفي كل مرة كان ينهض يلملم جراحه ويتحامل على ألمه ويعود إلى مقدمة صفوف "الشباب الثائر" حتى وهو يتكئ على عكازٍ وهو يقود الثائرين في فعاليات الإرباك الليلي، عرف بجرأته وشجاعته فحينما يكون محمد قدوم (33 عاما) من حي الشجاعية متواجدًا شرق غزة يطمئن رفاقه.
صاحب العينان الزرقاوان واللحية الكثيفة، اتسعت عيناه لحب فلسطين والانتماء لها لم تفارق ملامحه الابتسامة، فرسم طريقًا وضع في نهايته "الشهادة"؛ فكان ثائرًا أرق جنود جيش الاحتلال على السياج الفاصل شرق غزة، نفذ الكثير من أعمال المقاومة بالوسائل الخشنة، حتى جعله دورًا البطولي هدفا لجيش الاحتلال فأصيب عدة مرات.
بمجرد أن عادت فعاليات الإرباك شرق غزة مؤخرا دفاعا عن الأسرى في سجون الاحتلال، كان قدوم من أوائل من لبى نداء الأقصى ليسرج دماءه لتنير عتمة السجون في تضحية قدمها اثر انفجار "عرضي" وقع في صفوف الثائرين أثناء إحدى الفعاليات الوطنية وقع على اثرها خمسة شهداء.
زفاف قريب
في بيت عزاء، يمتلئ بالمعزين تستحضر أمه بملامح يكسرها الفقد آخر لحظاته في حديثها مع صحيفة "فلسطين"، فتقول: "كنا نتحدث ونحن جالسان بالبيت، وقلت له: نفسي أفرح فيك، فابتسم وقال لي رافضًا الأمر وهو ينظر للمستقبل القريب الذي لم أره أنا: "حور العين بتستناني"، وعلى مدار أسبوع كامل كان يذهب به لشرق غزة كنت استودعه الله، لكن في نفس يوم استشهاده نسيت الدعاء له فعاد لي شهيدًا".
اقرأ أيضاً: القوى الوطنية والإسلامية تنعى شهداء غزة
تغلبها دموعها وهي تنتقل للحديث عن صفاته قائلة: "ما شاء الله عليه، امتاز بجميع الصفات الجميلة، كان يحب رضا الله ورضا الوالدين، بار بوالديه وأخوته، يسأل عن شقيقاته ويحب قدومهن للبيت، ويذهب لزيارتهن".
بعد كل صلاة فجر، كان يعود قدوم بـ "كعكة" يشتريها ويقدمها لوالدته التي ينبهها في كل يوم للاستيقاظ لصلاة الفجر، تقول عن شخصيه في البيت: "هو شخص حنون، يحب الضحك والمزاح، كان دائما يقول لي: "بديش ايشي من الدنيا إلا ربنا يرضى عني وأنتِ ترضي".
في آخر أسبوع، غلبها شعور حنان تجاه نجلها كانت تستشعر رحيله القريب، فاحتضنته فهو لا زال في نظرها وإن كبر طفلاً ربته وكبر بـ "حبات عينيها"، وفي تلك اللحظة نام عند قدميها.
حاولت الأم أن تواسي نجلها بعدما بدأ بالتعافي من أثر الإصابات وطلبت منه أن يعطيها الإذن كي تبحث له عن عروس، فحدد لها موعد الزفاف، اعتقدت أنه استجاب لإلحاحها المتكرر، لينتهي الحوار كما في كل مرة: "الأسبوع الجاي بدي أتزوج .. حكون عريس بالجنة"، ليختار الشهيد مكانا آخرا للفرح.
12 بصمة بجسده
تنوعت إصابات قدوم، التي خضع خلالها لنحو 42 عملية جراحية، كلها كانت صعبة وعاشت خلالها والدته لحظات صعبة رافقته فيها، إحدى الإصابات أدت لقطع ثلاثة شرايين ونقل لمستشفى ناصر بخان يونس وعزل عن الناس لخمسة شهور، ويومها وصل دمه إلى "3 درجات" وجرى تزويده بنحو 18 وحدة دم.
تطل صورته بعد التعافي من الإصابة على حديثه أمه "خرج من المستشفى يعاني من قصر في القدم، لكنه عاد قويًا كما اعتدت عليه، فبمعظم إصابته، كان يجلس على كرسي متحرك، أو على عكاز، ثم يعود ويتماسك ويواصل الحياة".
منذ طفولته تعلق قدوم بلعبة كرة القدم التي كانت حلما من أحلامه، وعمل بمجال تركيب المصاعد، عرفته أمه بأنه محافظ على الصلاة ويتلو وردا يوميا من القرآن الكريم، وكذلك يصوم بشكل مستمر وأكثر ما كان يغضبه هو اعتداء الاحتلال على المرابطات بالداخل المحتل.
كان "يهب نفسه لفلسطين" قالتها بنبرة فخر واعتزاز بشهادة ابنها، تنتقي بعض مواقفه: "كان شجاعًا، فخلال المسيرات، وعندما يصاب أي شاب ويتعذر على طواقم الإسعاف نقل المصابين كان يساعدهم، ويشارك في فعاليات الإرباك الليلي وتفجير العبوات".
أما صديقه محمد رجب رحمي الذي بدأت صداقتهم قبل ست سنوات خلال فعاليات مسيرات العودة وتوطدت بعد ذلك، فيصفه بأ،ه "رجل بكل معنى الكلمة" يقدم روحه للوطن، وكن لا يتحمل أن يعتدي الاحتلال على حرائر فلسطين.
يستذكر رحمي لصحيفة "فلسطين" بعضا من حضور الشهيد قدوم خلال فعاليات مسيرات العودة قائلا: "كان حنونا على الشباب، يحبهم كثيرا، وحينما يصاب أحدهم كان لا يتركه ويظل بجانبه. تعرضت أنا لإصابة واحدة فعانيت منها بينما هو تعرض لأكثر من عشر إصابات وكانت معظمها صعبة عليه وتألم منها كثيرًا، ورغم ذلك ضل مستمرا بمسيرات العودة للحظة استشهاده".
قبل استشهاد قدوم بعشرة أيام، شارك صديقه رحمي بحفل زفافه، بكلمات يغمرها الوفاء، أضاف "وقف معي بكل تفاصيل الفرح من صغيرها لكبيرة، وقام بدعوة الشباب من مختلف المحافظات، وهو بعادته يكون سعيدا في فرح أصدقائه".
لا تفارق ذاكرة رحمي صورة صديقه خلال آخر لقاء بينهم قبل استشهاده بيوم واحد، وفي تلك الزيارة ارتسمت السعادة على ملامح قدوم وقال لأصدقائه "بكرا أنا عريس".