ثلاثون عامًا مرّت على توقيع اتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي، تضاعفت خلالها سياسة التهويد والاستيطان في مدينة القدس المحتلة، وهُجرت آلاف العائلات المقدسية ضمن خطط عنصرية ممنهجة، في وقت أبقت فيه السلطة نفسها "شاهدة فقط" على تلك الانتهاكات.
ولم يحمِ هذا الاتفاق الذي وقّعه الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء الاحتلال إسحاق رابين في 13 سبتمبر/ أيلول عام 1993، المدينة المقدسة من توجه عدد من دول العالم لعَدّ "القدس" بشقيها الشرقي والغربي عاصمة لدولة الاحتلال، بعد الاعتراف الأمريكي بذلك عام 2017.
اقرأ المزيد: "أوسلو".. يوم نكبة ثانية لم تنته فصولها بعد
وقسّم اتفاق "أوسلو" المناطق الفلسطينية التي احتُلت عام 1967 إداريًا وأمنيًا إلى "أ" و"ب" و"ج"، لكن القدس لم تدخل في تلك المعادلة، إذ نصت الاتفاقية على تأجيلها، وتأجيل قضايا الحدود واللاجئين والاستيطان كذلك إلى مفاوضات الحل النهائي، وأُلزمت السلطة بإخراج المدينة المقدسة من صلاحياتها.
وشكّل تأجيل البت بشأن القدس دون ضوابط "خطأً إستراتيجياً" ارتكبته منظمة التحرير آنذاك، وفق ما يقول مراقبون، لا يزال يدفع ثمنه المقدسيون، الذين يواجهون كل أساليب التهويد والتهجير والأسرلة، في ظل غياب واضح من السلطة في تعزيز صمودهم والوقوف بجانبهم في التصدي للاحتلال.
متغيرات كبرى
وبعد مرور 30 عاماً على توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم، تشهد مدينة القدس مزيداً من محاولات الضم والتهويد والاستيطان ضد شعبنا الفلسطيني هناك، وفق ما يقول عضو هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس راسم عبيدات.
وقال عبيدات لصحيفة "فلسطين": "نحن أمام متغيرات كبرى بعد هذه الأعوام، فالقدس تُركت فريسة للاحتلال لكي يُمارس فيها كل أشكال القمع والجرائم"، مشدداً على أن "السلطة غائبة تماماً عن المدينة المقدسة".
وأضاف: "في ظل غياب السلطة، أصبحت القدس تتصدى بمكوناتها الوطنية والدينية والمجتمعية للاحتلال"، منبّهاً إلى أن ما يصل للقدس من ميزانيات هو 12 مليون شيكل من أصل 20 مليون شيكل، وفي المقابل تصرف بلدية الاحتلال في القدس 7 مليارات ومليونَيْ شيكل.
وبيّن أن القدس تشهد المزيد من التهويد والاستيلاء على الأرض ومحاولة السيطرة على المسجد الأقصى، في حين أن السلطة غير منتبهة لهذه القضايا سوى على مستوى الشعارات دون التنفيذ العملي على الأرض.
وبحسب عبيدات، فإنه لا يوجد أي نص ضمن اتفاقية "أوسلو" يُلزم الاحتلال بوقف الاستيطان أو تجميده في مدينة القدس التي يعتبرها عاصمته الأبدية، الأمر الذي جعله يعمل على تغيير ديموغرافية المدينة.
وأكد أن الاستيطان الذي لم يتضمن اتفاق أوسلو وقفه أو تجميده هو الركن الإستراتيجي والأساسي الذي قامت عليه دولة الاحتلال بمختلف حكوماتها، حيث يسعى الاحتلال لطرد الفلسطينيين وجلب المستوطنين بدلاً منهم.
وذكر أن الاحتلال قضم 87% من أراضي المقدسيين لمصلحة الاستيطان، وتبقى 13% للفلسطينيين فقط، منها 4% طرق وشوارع في القدس.
وكان وزير المالية في حكومة الاحتلال المتطرف بتسلئيل سموتريتش أعلن عن مخطط يتضمن بناء 57 ألف وحدة استيطانية، لجلب نحو 225 ألف مستوطن وتوطينهم في تلك المناطق حتى عام 2030، بهدف تغيير الوضع الديموغرافي في القدس لمصلحة المستوطنين.
وبحسب التقرير السنوي لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان لعام 2022، بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس 726 ألفًا و427 مستوطنًا، موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية، كما صدَّقت حكومة الاحتلال على 83 مخططًا لبناء 8288 وحدة استيطانية جديدة بالضفة، و2635 وحدة بالقدس المحتلة.
تصاعد التغول
بدوره قال المحلل السياسي إسماعيل مسلماني إن التغول في مدينة القدس تصاعد أكثر منذ توقيع اتفاق أوسلو، مشيراً إلى أنه كان المفترض رسم الحدود ومن ضمنها شرقي مدينة القدس عام 1999.
وأوضح مسلماني لصحيفة "فلسطين"، أن "أوسلو" شكّل كارثة، لكونه جاء بهدف طمس حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها اللاجئون والقدس، مشيرًا إلى أن غالبية الشعب الفلسطيني باتوا يرفضون الاتفاق ويعدونه "مشؤوما".
وبيّن أن الحلم الصهيوني لا يزال قائماً ببناء "الهيكل" المزعوم لفرض أمر واقع في مدينة القدس، عدا عن محاولات أسرلة التعليم ومحاربة الاقتصاد المقدسي، مضيفاً: "اتفاق "أوسلو" ذهب لمهب الريح، ولم يعد قائماً بالمفهوم الميداني".
وبحسب مسلماني، فإن هناك تقصيرا واضحا من السلطة تجاه القدس، إذ إن الاحتلال كان يسعى من الاتفاق إلى السيطرة والتحكم الكامل بالقدس.
وانتقد موافقة السلطة على ترك قضية القدس إلى مفاوضات الحل النهائي، عاداً ذلك دليلاً على أن الموقف الفلسطيني "ضعيف"، وليست أمامه خيارات سوى الموافقة على الاتفاق، على الرغم من أنه لا يلبي رغبة الشعب الفلسطيني.