حذر مختصون في شؤون القدس من محاولات الاحتلال الإسرائيلي تقسيم المسجد الأقصى المبارك مكانيًا بين المسلمين واليهود، وإنهاء الوصاية الأردنية عليه، داعين إلى تكثيف الرباط والاحتشاد فيه لصد اقتحامات المستوطنين، فيما تسمى بـ"الأعياد اليهودية" التي تبدأ منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري.
وأوضح هؤلاء في ندوة سياسية نظمتها صحيفة "فلسطين" بمقرها في مدينة غزة، بعنوان "الأعياد اليهودية.. مخاطر وسبل التصدي"، أن الاحتلال يهدف إلى جعل المنطقة الشرقية في الأقصى مكانًا دائمًا لعبادة اليهود، خاصة أن جماعات "الهيكل" المزعوم تعتبر الفترة الحالية فرصة لا تتكرر، وتسابق الوقت في تنفيذ مخططاتها.
مواسم عدوان
وذكر رئيس لجنة القدس في المجلس التشريعي، د. أحمد أبو حلبية أن مواسم "الأعياد اليهودية" تبدأ بإحياء ما يسمى بـ"رأس السنة" العبرية في 16 و17 سبتمبر الجاري، ثم ما يسمى بـ"يوم الغفران" في 25 و26 من الشهر ذاته، و"عيد العُرش" في الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول القادم.
وقال أبو حلبية بكلمته في الندوة: إن الاحتلال يسعى منذ نحو عامين إلى فرض أمر واقع داخل المسجد الأقصى بالسماح بإقامة طقوس تلمودية داخل المسجد بصورة علنية أو جماعية، خاصة أمام مسجد قبة الصخرة المشرفة، إذ يزعم المستوطنون أنها قبلة "الهيكل" المزعوم.
اقرأ أيضاً: حوار ناصر الدين: مخطَّط تقسيم الأقصى "لعبٌ بالنار لا يمكن أن يتحقق"
ولفت إلى أن المستوطنين، بعد فشلهم في محاولات إقامة "الهيكل" المزعوم مكان المسجد الأقصى، بدأوا في اعتبار مسجد قبة الصخرة مكانًا معنويًا لهم، عبر محاولة تنفيذ طقوس تلمودية داخل المسجد، مثل نفخ البوق، والانبطاح الملحمي، وتقديم القرابين النباتية في يوم "العُرش"، إضافة إلى محاولات تقديم قرابين حيوانية.
وعدّ تلك المخططات خطرًا داهمًا على المسجد الأقصى، وهي مرتبطة بمخطط إستراتيجي للاحتلال يقوم على التزييف التاريخي، ومحاولة فرض السيطرة والهيمنة على المسجد المبارك، على غرار ما حدث في المسجد الإبراهيمي بالخليل.
وفيما يتعلق بدور السلطة في دعم القدس، أشار النائب في المجلس التشريعي، إلى أن مخابراتها حاولت في السابق تقويض هبة باب الأسباط التي اندلعت عام 2017، بمحاولات لسحب الشباب المشاركين في فيها، عادًا ذلك "قضية خطيرة"، وقد تكرر في مناسبات عدة.
وأضاف أبو حلبية أن القيادي في حركة "فتح" حاتم عبد القادر استقال من منصبه بعد شهرين فقط من تكليفه بملف القدس خلال فترة حكومة سلام فياض عام 2009، احتجاجًا على عدم توفير موازنات كافية لدعم مشاريع ومبادرات القدس، مشددًا على أن ذلك يُظهر قصور دور السلطة في تقديم الدعم اللازم للقدس ومشروعاتها.
فترة ذهبية
من جانبه، أكد المختص في الشأن الإسرائيلي د. أيمن الرفاتي أن جماعات "الهيكل" المزعوم ترى الحكومة الحالية "حكومة يمينية ذهبية" تضم 13 وزيرًا متطرفًا، وهي فرصة لم تُتَح لهم من قبل لمواصلة مخططاتها في المسجد الأقصى.
وأشار الرفاتي في الندوة، إلى وجود تباينات بين تيارين في دولة الاحتلال بشأن مفهوم "الهيكل"، فالتيار الأول يعتقد أنه سينزل من السماء، في حين يعتقد الثاني أن اتخاذ خطوات فعلية على الأرض يُعجل من نزول الهيكل و"المسيح المخلص"، بوضع مخططات لتغيير واقع اليهود في فلسطين، وهو تيار يضم متطرفين مثل إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش وغيرهما.
وتسعى جماعة من المستوطنين المتطرفين، وفق الرفاتي، إلى تغيير الفتوى الدينية اليهودية التي تحرم الصعود لـ"جبل الهيكل" قبل "ذبح البقرات الحمراء الخمس والتّطهر من النجاسة"، بجلب خمس بقرات تتوافق مع المواصفات التي ذكرت في توراتهم، وهي الآن بعمر عام وينتظرون بلوغها خمس سنوات لتنفيذ طقوس الذبح.
ويعتقد الرفاتي أن تنفيذ طقوس ذبح البقرات سيضاعف أعداد المستوطنين المقتحمين للأقصى من نحو 100 مقتحم يوميًا إلى عشرات الآلاف، خاصة أن أعداد المنتمين "للصهيونية الدينية" تضاعفوا من 600 ألف شخص إلى أكثر من مليون، لكنهم لا يستطيعون حاليًا حشد أعداد كبيرة بسبب إيمان هؤلاء بـ"طقس التطهر"، قبل الصعود للأقصى.
وشدد على أن عدوان الاحتلال لا يستهدف المسجد الأقصى فقط، بل يسعى للوصول إلى مخطط "القدس الكبرى" التي تمثل مساحتها 10% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، من أجل عزل القدس عن الضفة وتحقيق فصل جغرافي.
وذكر الرفاتي أن حكومة الاحتلال المتطرفة تُسهل وتعمل على تمرير مخططات تستهدف الأقصى ومدينة القدس، وتدفع كل يوم بمخططات جديدة لتمريرها، لافتًا إلى أن "المخطط الذي لا يمكن للحكومة تنفيذه ككيان حكومي، فإنها تميل إلى تفويض المستوطنين لتنفيذه".
وشدد على أهمية دور أهل القدس كفاعل رئيسي في الدفاع عن الأقصى، وأن دور المقاومة مساند في توفير الدعم والإسناد ووضع خطوط حمراء واضحة أمام الاحتلال لا يمكنه تجاوزها، مشيرًا إلى أن معركة "سيف القدس" عام 2021، حققت مكاسب استراتيجية بتوحيد الجبهات مع "محور المقاومة" الذي بات مستعدًا للدخول بأي معركة عنوانها القدس.
دور السلطة ضعيف
من ناحيته، استعرض المختص في شؤون القدس، شعيب أبو سنينة، الهبات التاريخية التي انطلقت من القدس دفاعًا عن المسجد الأقصى، مبينًا أن "الأعياد اليهودية" ليس لها أي علاقة بفلسطين وحصلت أحداثها خارجها، لكن الجماعات اليهودية المتطرفة تستخدمها لتنفيذ مخططات وفرض وقائع جديدة.
واستغرب أبو سنينة من عدد الأعياد اليهودية الكبير الذي يصل مجموع أيامها على مدار العام إلى 100 يوم، مشددًا على أنها باتت تُشكل مواسم للعدوان على المسجد الأقصى، فزادت نسبة الاقتحامات هذا العام عن العام الماضي بنحو 300%.
ولفت إلى ضرورة إحياء سنة الاعتكاف في الأقصى من جديد لمواجهة مخططات الاحتلال، وتفعيل حملة "الفجر العظيم"، والتواجد المكثف وقت صلاة الضحى، وهذا يجب أن يحظى بدعم شعبي من المدن الفلسطينية ومن خارج فلسطين.
وأعرب أبو سنينة عن اعتقاده بأن تنفيذ المقاومة عمليات في الأعياد اليهودية ستربك خطط الاحتلال، خاصة أول أعيادهم (رأس السنة العبرية) الذي يحاولون به إظهار سيطرتهم الدينية والسياسية على المكان عبر النفخ في البوق.