في الرابع من شهر سبتمبر لعام 2001، كان عاهد النتشة، البالغ من العمر حينها 21 عامًا، يستعد للقيام بمهمة خاصة لأجل الدفاع عن المسجد الأقصى الذي تعلق به وهو ابن الثمانية أعوام. لم يكن يدرك حجم التحدي الذي سيواجهه وكم ستتغير حياته بلا رجعة، لكنها المقدسات والأرض أغلى ما يملك.
النتشة أسير المقدسي (42 عامًا)، من بلدية بيت حنينا في مدينة القدس المحتلة حيث نشأ، وآمن مبكرًا بعمق القضية الفلسطينية وأهمية النضال لأجل حقوق شعبه وأرضه، وأن الفعل الجاد يمكن أن يؤدي إلى تحقيق التغيير الإيجابي.
لا تزال والدته كفاية النتشة تذكر جيدًا يوم اعتقاله عندما استيقظ صبيحة ذلك اليوم للذهاب إلى عمله، ومع عودة ابنتها من المدرسة أخبرتها بأن الدنيا مقلوبة وأن أعدادًا كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، "أغلقت الأبواب الخارجية للبيت، وبدأ الجنود بطرقها بكل قوة ومن خوفي خبأت أصغر أبنائي الذي لم يتجاوز ثلاثة أشهر تحت السرير".
تقول الأم: "فتحت لهم الباب وأخلوا جميع سكان العمارة كبيرها وصغيرها، اعتقدت أنهم يبحثوا عن علي، وبعد انتهائهم طلبوا مني التوقيع على ورقة تفيد بأنهم لم يأخذوا شيئًا من البيت ولم يدمروه، فقرأت حينها في الورقة أنهم يبحثوا عن عاهد وليس علي".
اقرأ أيضًا: دراغمة: الإهمال الطبي بحقّ الأسرى انتهاك خطير للقوانين الإنسانية
وتضيف النتشة (65 عامًا) لصحيفة "فلسطين": "حاولت الاتصال به كثيرًا ولم أجد أي استجابة، ولكن قلبي يغلي عليه لا أعرف أي أخبار أو معلومات عنه، وفي منتصف الليل أُخبرنا باعتقاله ونقله إلى المستشفى أثناء محاولته تنفيذ عملية فدائية، وقع اشتباك بالرصاص وأصيب في عينه وبحروق خطيرة في أنحاء متفرقة في جسده، وتم نقله إلى المستشفى وحقق معه وهو على سرير المرض تحت تأثير البنج وهو مكبل".
قضى عاهد ما يقارب شهرًا في المستشفى بعد استئصال الطحال، وخضع لعمليات جراحية مكثفة والكثير الجلسات العلاجية، لكن أثر الإصابة على جسده كان كبيرًا فقد تقلص وزنه وعانى من هزال كبير".
بعد مرور أشهر طويلة على اعتقال عاهد خضع لمحاكمة بتهمة الانتماء لكتائب الشهيد عز الدين القسام، والمشاركة في عمليات عسكرية أدت لإصابة جنود، وحكم بالسجن 45 عامًا، وبعد جلسات استئناف تم تخفيف الحكم إلى 25 عامًا.
وتمضي النتشة بالقول: "حتى هذا اليوم لا يزال عاهد يعاني من أثر الإصابة، يحتاج إلى إبرة كل عام للتخفيف من حدة المشاكل الصحية بعد استئصال الطحال، وتراجعت حدة نظره فاضطر لاستعمار نظارة طبية نواجه معاناة كبيرة في إدخالها كل عام، عدا عن ظهور آلام في أذنيه وأسنانه بسبب الالتهابات".
ويخبر عاهد والدته أثناء زيارتها بأنه يفضل خلع الضرس الذي يتألم منه على أن ينتظر قرارهم بعرضه على طبيب مختص، حيث تمارس إدارة السجون سياسة الإهمال الطبي بشكل واضح وصريح بحق الأسرى المرضى.
حياته في السجن
عن شخصية عاهد تقول الأم: "يتمتع بشخصية قوية، وحنون، ومتفهم (...) ترك مقاعد الدراسة في الصف التاسع ليساعد والده في تأمين مصروف البيت، وعندما أصبح في الثامنة عشرة من عمره كان يعمل ليلًا في فندق، وفي ساعات النهار يتعلم صنعة التبريد والتكييف، كما عمل في مجال الدهان، فلم يكن لديه وقت فراغ".
اقرأ أيضًا: المصري: الاحتلال يتعمّد الإهمال الطبي لنشر الأمراض بين الأسرى
خلال سنوات الاعتقال استثمر عاهد وقت فراغه في العودة إلى مقاعد الدراسة، فتقدم للثانوية العامة مرتين لأجل الحصول على معدل عالٍ، ثم استكمل تعليمه الجامعي وحصل على شهادة في الصحافة والإعلام، وأخرى في ماجستير التاريخ الإسلامي، وحاليًا يحضر للحصول على الدكتوراه.
وتلفت النتشة إلى أنه حصل أيضًا على دورات في التلاوة والتجويد والقراءات العشر، وحفظ أجزاء متفرقة من القرآن الكريم.
بعد شهرين من اعتقاله فقدَ عاهِد والده للأبد بوفاته؛ حزنًا عليه، دون أن يتمكن من وداعه، "كان هذا الخبر صادمًا له ولعائلته".
وبعد 23 عامًا من الاعتقال لا تزال والدته تفتقد عاهد في كل كبيرة وصغيرة، في المناسبات والأعياد وعند إعدادها طبخة يفضلها، ولكن رغم الغياب القسري يعد المرجع لعائلته في الكثير من الأمور، "لدرجة أن بعض المواضيع نؤجلها إلى حين موعد الزيارة".
وتتنظر والدته بفارغ الصبر انتهاء ما تبقى من محكوميته ليعود إلى أحضانها، إلا أن تخشى من قرارات وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بالسعي مجددًا لتقليص الزيارات العائلية للأسرى من مرة كل شهر إلى مرة كل شهرين.