إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي معبر كرم أبو سالم أمام تصدير البضائع من قطاع غزة إلى الضفة الغربية والعالم الخارجي، يعد جريمة حرب لما تنتهجه (إسرائيل) من سياسة تشديد الحصار والخنق والعقاب الجماعي لسكانه خاصة والفلسطينيين عامة، بذرائع واهية وافتراءات عارية عن الصحة، ما يزيد من صعوبة الوضع الاقتصادي، ويخلق المزيد من المعيقات أمام النشاط الاقتصادي، ولا سيما في القطاع الصناعي والزراعي، وسيَحد من نمو النشاط الاقتصادي الفلسطيني الذي يعاني عجزًا وتدهورًا من جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، خاصة أن هذا القرار سيؤدي إلى وقف العمل في عشرات المصانع والمزارع، وسيُهدد عشرات آلاف العاملين بفقدان فرص العمل التي يعتاشون منها، وزيادة معدلات الفقر والبطالة المرتفعة مُسبقًا في قطاع غزة.
يعد معبر كرم أبو سالم التجاري المنفس الوحيد لصادرات القطاع منذ فرض الاحتلال الإسرائيلي الحصار، في حين أغلق جميع المعابر معه قبل نحو 17 عامًا، ومنذ ذلك التاريخ (الخامس والعشرين من يونيو/حزيران 2006) فقد حول الإحتلال الإسرائيلي قطاع غزة، الذي يقطنه أكثر من مليوني فلسطيني إلى سجن كبير، فما بين المدة الممتدة من 2006-2023 طرأت اختلافات كثيرة منذ بداية الحصار حتى هذه الأيام التي تشدد فيها (إسرائيل) قبضتها الحديدية لخنق سكان قطاع غزة، فكان عددهم حينها 1.2 مليون نسمة، في حين يصل حاليًا إلى 2.3 مليون فلسطيني، وأن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني ككل أصبح متدهورًا، بسبب حالة التجويع، وانعدام الأمن الغذائي من جراء الحصار، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة، ووفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، فإن مستويات البطالة في غزة من بين أعلى معدلات البطالة في العالم، إذ وصل معدل العاطلين عن العمل إلى 46.6 في المائة، مقارنةً بالمتوسط الذي كان يبلغ 34.8 في المائة في 2006، ووصل معدل البطالة بين الشباب (15-29 عامًا) إلى 62.5 في المائة، في حين نسبة الفقر وصلت إلى 60 في المائة، أما نسبة انعدام الأمن الغذائي، فقد وصلت إلى أكثر من 65 في المائة، عدا عن نسبة البطالة التي ارتفعت في صفوف المتخرجين من كلا الجنسين لتبلغ 73 في المائة، في حين يحتاج 80 في المائة من سكان القطاع للمساعدات المختلفة.
لم يتوقف الأمر عند الحصار، بل صاحبه التدمير الممنهج للبنية التحتية في الحروب وجولاتِ التصعيد الإسرائيلية ما انعكس بالسلب على الواقع الاقتصادي، إلى جانب انعكاسات منع الكثير من المواد التي وضعها الاحتلال على قائمة ما يسمى "بالاستخدام المزدوج"، ما أسهم في انهيار قطاعات صناعية كبيرة، كما أدت الحروب الإسرائيلية إلى تلوث مياه الشرب، والتسبب بأزمة طاقة وانقطاع التيار الكهربائي التي تأثرت بها قطاعات عديدة ولا سيما القطاع الصحي، ما أدى إلى وفاة أعدادٍ كبيرة من المرضى، بسبب نقص العلاج والأجهزة والمستلزمات الطبية، ومنع الكثير من التحويلات العلاجية، وعرقلة تلقي العلاج في الضفة والخارج.
إن زعم الاحتلال -وفق مصادر عبرية- ضبط مواد مُصدرة من غزة إلى الضفة الغربية تدخل في صناعة المتفجرات، فهي ذرائع واهية يتذرع بها لتشديد حصاره على القطاع وخنق سكانة، بسبب فشله الأمني في الضفة الذي يحاول تعليق هذا الفشل على شماعة القطاع المحاصر أصلًا، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف بالقطاع المحاصر والمحروم من كل شيء، وانقطعت به السُبل عن العالم الخارجي أن يرسل إلى الضفة مواد متفجرة كما يزعم الإحتلال؟ وهل الضفة الواسعة الشاسعة المساحة بحاجة إلى إمدادات من قطاع غزة؟ فحدود الضفة مشتركة مع الكثير من الجهات، وأولها اتصالها المباشر مع المناطق في الداخل المحتل، وقد شاهدنا أن السلاح الذي يستخدمه المقاومون يعد حديثًا ومتطورًا، وبالمقارنة فإن أغلب سلاح المقاومة في غزة هو محلي الصنع، دلالة على كذب الاحتلال، الذي يبحث عن إنجازات أمنية فلا يستطيع، فلا هو حقق أهدافه من حصار القطاع، ولا استطاع وقف المقاومة في الضفة.
لاشك أن إستراتيجية الاحتلال لحصاره للأراضي الفلسطينية وعلى وجه الخصوص قطاع غزة تقوم على هدفين ألا وهما أولاً: منعه التواصل بين الفلسطينيين في القطاع مع بقية المناطق في الضفة والخارج، بهدف تمزيق وتفتيت الهوية الفلسطينية، وثانيًا: وضع قطاع غزة تحت سياسة العقاب الجماعي، بهدف ابتزازه سياسيًا وأمنيًا، وقد توصل إلى قناعة أن هذه الإستراتيجية فاشلة، لسبب واحد، بأنَّ سكانه صامدون وحاضنون للمقاومة، التي مرَّغت أنفه وكسرت هيبته، وأن الحصار لم ينل من عزيمة الشعب الفلسطيني وإصراره على تحقيق أهدافه المشروعة في التحرر وإقامة دولته المستقلة.
أخيرًا، إن صمت العالم على جرائم الاحتلال على رأسها حصار سكان قطاع غزة، هي تواطؤ علني، بل مشاركة في الجريمة وسيبقى وصمة عار على جبينه، لذا يجب تكاتف وتعزيز الجهود الدولية، لإيجاد آليات ترفع الحصار عن غزة، وعلى المجتمع الدولي التخلي عن سياسة الكيل بمكيالين في التعاطي مع الأزمات الدولية، وعدم النظر للقضية الفلسطينية وحصار قطاع غزة من منظور إنساني فقط، فقضيّة حصار الاحتلال للقطاع هي سياسية بامتياز، يستخدمها من أجل تحقيق أهداف حزبية والدعاية الانتخابية، لا علاقة لها بالأمن ولا بالحدود فهو يسيطر على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة ومطلوب منه سد حاجياتهم المعيشية وتلبية كل أمورهم الحياتية، وتحمل المسؤولية عن رعاية السكان بغزة وفق القانون الدولي الإنساني، بصفة سلطة احتلال تتمتع بسيطرة كبيرة على جوانب الحياة بقطاع غزة.