داخل متجر صغيرة لبيع المواد التموينية في مخيم شاتيلا جنوبي لبنان، يمضي اللاجئ الفلسطيني محمد عفيفي ساعات يومه، متمنيًا أن يعيش إلى اليوم الذي يفتتح فيه متجرًا ببلدة ياجور المهجرة الواقعة على سفح جبل الكرمل.
ولد عفيفي في لبنان بعد 11 سنة من النكبة، وهو ينتمي إلى عائلة قدَّمت شهداء فقد استُشهد جده على أيدي الجيش البريطاني إبان احتلاله لفلسطين، وقد خرج والده من فلسطين المحتلة حين كان يبلغ 9 أعوام، وأنه خرج مع ماشية كان عمه يربيها، وأتى إلى برج قصقص في بيروت.
يقول: "عمل والدي دهانًا، وربَّانا على نهج المقاومة وحب فلسطين وتراثها، وزرع فينا حتمية العودة، والتغلب على ظروف اللجوء، ومحاربة العدو لاسترجاع أرضنا.
وقد عدت إلى فلسطين أسيرًا في منطقة تقع قرب بلدتي اسمها الجلمة، وشممت رائحتها".
واجهت عائلة عفيفي الإفلاس، ورغم ذلك تحمّل والده مسؤولية وطنية وسياسية ومادية، إذ التحق بحركة القوميين العرب، وعندما تزوج عاش في شاتيلا، وكان منزله يستضيف اجتماعات حزبية.
ويشير إلى أنه كان متفوقًا في المدرسة، لكنه اضطر إلى العمل، "فحين كنت في الصف العاشر التحقت بمعسكر تابع لحركة فتح في دورة عسكرية لتنفيذ عملية ضد قوات الاحتلال في (تل أبيب)، انتقامًا لشهداء منطقة فردان في بيروت الذين قتلتهم قوات كوماندوز إسرائيلية (الشهداء القادة كمال ناصر، وكمال عدوان، وأبو يوسف النجار)، لكننا لم ننجح في الدورة، ولم ننفذ العملية".
شكل ذلك بداية مشوار عفيفي النضالي، فكان يذهب كل 15 يومًا مع مجموعة من الفدائيين إلى حدود فلسطين، ويدخلون لتنفيذ عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وبعدما عاد إلى بيروت أصيب بجروح خطرة بسبب القصف.
بعدما تزوج عفيفي تدرب في مؤسسة "صامد" على مهنة الخياطة.
وبعد عام 1982، طاردته المخابرات السورية بسبب مشاركته في حرب المخيمات، وسُجن بعد انتهائها.
وعن قصة أسر قوات الاحتلال الإسرائيلي له، يقول: "ذهبت مع مقاتلين آخرين لحضور مؤتمر في عمان، بعد أن دفعنا مالًا للخروج من مطار بيروت، ثم حاولنا العودة عبر قبرص لكن سلطاتها منعت دخولنا لفترة قبل أن نسافر بباخرة أوصلتنا إلى قبالة طرابلس، حيث اعتقلونا وأخذونا إلى حيفا".
يتابع: "وضعوني في زنزانة، وعذبَّوني بأسلاك كهربائية، ورأيت خلال شهرين و21 يومًا كل أنواع العذاب الجسدي والنفسي، ثم نقلت إلى سجن حيث زارني أفراد من الصليب الأحمر، وساعدوني في التواصل مع عائلتي.
وبعد سنتين أفرج عني، واليوم أرعى جيلًا جديدًا، هم أحفادي الذين أربيهم على حب فلسطين، والنضال لتحريرها.
وأوصي أولادي بأن أدفن في أرض فلسطين، حتى لو متّ ودفنت في لبنان، فليحملوا رفاتي إلى فلسطين بعد العودة".