فلسطين أون لاين

الصراع مع الاحتلال حوَّلها من "فن" إلى "نضال"

تقرير "الدبكة الشعبية".. تراث ومصدر رزق

...
الدبكة الشعبية الفلسطينية- أرشيف
غزة/ عبد الله التركماني:

إيدي بإيدك ع الوادي.. نأكل تين وزوادي.. عادت أفراح بلادي.. وهيهات يابن العم.. بهذه الكلمات أنشد الشاب محمد الريس لفرقته (فرقة الريس للدبكة والفنون الشعبية) المكونة من 7 أفراد ليقوموا بدورهم بأداء حركات الدبكة عبر أيديهم وأرجلهم تناغمًا مع اللحن في سهرة شبابية احتفالًا بزواج أحد العرسان في مدينة غزة.

الريس (29 عامًا) الذي تخرج من كلية التجارة قبل 5 أعوام، لم يجد فرصة عمل توفر مصدر رزق لأسرته المكونة من 4 أفراد، فوجد في الفلكلور الشعبي ضالته لتحقيق دخلًا ماديًا.

وتنتشر فرق الفلكلور الشعبي أو ما تعرف باسم "فرق الدبكة" لإحياء حفلات الزفاف الفلسطينية والمناسبات الوطنية والخاصة مثل السهرات الشبابية التي تسبق حفلات الزفاف، لإضفاء الطابع التراثي عليها، الأمر الذي يساهم بتوفير مئات فرص العمل للعاطلين.

وتتألف فرق الدبكة من مجموعة من الأشخاص الذين يؤدون رقصات وطنية من خلال أداء حركي عبر الأيدي والأرجل بإيقاع متناغم ومتناسق، بالإضافة إلى عازف اليرغول أو الشبابة والطبل.

وقال الريس لصحيفة "فلسطين": إن فرقته المكونة من 7 أفراد، نشأت بالأساس للتخلص من البطالة التي يعاني منها أفرادها، مشيرًا إلى أن عددًا من أعضاء الفرقة هم خريجون جامعيون لم يجدوا أي عمل.

وأضاف: "خلال الحفلات الشبابية نقوم بأداء دبكات عديدة تصل إلى ثلاث أو أربع دبكات مختلفة في سهرة واحدة، وهذا العمل يعود علينا بدخل مالي (1000-1500) شيقل في الحفلة الواحدة، ونقتسم هذا المال بيننا".

وتابع الريس: "ربما يجد البعض أن ما نتقاضاه باهظ نوعًا ما، ولكن هذا يعود إلى حجم المجهود المبذول، بالإضافة إلى خبرات ومهارات أعضاء الفريق الذين يمهرون في استخدام النار والسيوف والعصي خلال الدبكة". 

اقرأ أيضاً:رحلات العودة.. الفن والدبكة والشعر في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

منذر أبو خوصة (21 عامًا) وهو أحد أعضاء فرقة الريس، يقول إنه انتمى إلى هذه الفرقة منذ نحو عامين من أجل تغطية نفقات تعليمه الجامعي، حيث يدرس أبو خوصة المحاسبة في الجامعة الإسلامية.

وقال أبو خوصة لصحيفة "فلسطين": "تعلمت الدبكة من إخوتي الأكبر مني سنًا، وأحاول عدم إشغال نفسي كثيرًا في هذا المجال من أجل الاهتمام أكثر بالدراسة، ولكني استغل الإجازة الصيفية في المشاركة بهذه الفرقة من أجل تحصيل رسوم العام القادم".

زيادة كبيرة

يقول محمد أبو جبة الذي عمل في مجال الدبكة منذ أكثر من 25 عامًا، إن هناك زيادة كبيرة طرأت خلال الأعوام الماضية في رغبة المواطنين لإضفاء الفلكلور الشعبي على مناسباتهم العائلية الخاصة بعد أن كانت مقتصرة على الاحتفالات الوطنية كيوم الأرض وذكرى النكبة وغيرها.

وأوضح أبو جبة لـ"فلسطين" أن العرسان يرغبون اليوم بشدة في أن يكون هناك فقرة للدبكة الشعبية بين فقرات حفلات زفافهم، مشيرًا إلى أن حب مشاهدة الدبكة يرتبط بالانتماء الوطني وحب التراث الفلسطيني القديم لدى الناس.

ولفت إلى أن الدبكة تتضمن أنواعًا عديدة، وكل نوع له حركات خاصة تختلف عن غيره، ومن هذه الأنواع: الكرادية أو الطيارة وتتميز بالإيقاع السريع والتجانس في أداء الحركة، ودبكة الدلعونا وتتميز بإيقاعها المتوسط، ودبكة ظريف الطول والتي يتخللها التغزل بالجمال الفلسطيني، ودبكة الدحية التي تنتشر عند البدو بشكل خاص ويتخللها حركات وأصوات تخص القبائل البدوية، وفيها تصفيق بطريقة خاصة تسمى "تسحيجات".

ونبه أبو جبة إلى أن الدبكة كانت ولا تزال تعبّر عن مراحل وحقب تاريخية مر بها الشعب الفلسطيني، فدبكة الهجرة والنكبة لها أغانٍ خاصة، ومن الأغاني التي خرجت في خمسينيات القرن الماضي، ما يتعلق ببطاقة التموين وتقول:

لآفديك بكرت التموين يا أم عيون دباحة

وجعل في قليبي بنزين وعيونك قداحة

وأضاف أبو جبة: "هناك أيضًا الجانب الذي يتعلق بالحنين إلى فلسطين التاريخية وذكريات الأرض التي سلبها الاحتلال"، ومن أغانيه: 

يا ظريف الطول وقف تقلك..

رايح عالغربة وبلادك احسنلك..

خايف يا ظريف تروح وتتملك..

وتعاشر الغير وتنساني انا..

وبيّن أبو جبة أن الدبكة بصفتها تراثًا شعبيًّا، تعاني من عدم وجود هيئة تحافظ على بقائها، إذ يتم إحياؤها بعشوائية من خلال فرق تسعى لكسب المال من خلالها كمصدر دخل في ظل ارتفاع نسبة البطالة والفقر.

الدبكة تراث متناقل

الأستاذ والباحث المتخصص في مجال التاريخ د. ناصر اليافاوي، يقول إن الدبكة اقترنت بالتراث الفلسطيني منذ آلاف السنين.

وأوضح اليافاوي خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن الدبكة نشأت مع بداية العصور الحجرية في فلسطين، حيث كان الكنعانيّون يأدون بعض حركات الرقص بالأرجل وضرب الأرض بها كطقوس دينية، حتى انسلخ هذا الأداء عن بعده الديني بعد الإسلام وبات يمارس لإحياء التراث الفلسطيني.

وبيّن أن الدبكة كانت قبل الاحتلال تأخذ طابع المناسبات وتُؤدَّى في الحفلات من أجل الترفيه عن الآخرين، ولكن بعد احتلال الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ونشوء النكبة الفلسطينية، أصبحت الدبكة شكلًا من أشكال النضال والتمسك بالتراث الفلسطيني.

وأوضح اليافاوي أن من أكثر الأغاني التي ترافق الدبكة هي (الدلعونا) التي يتخللها أبعاد تاريخية تراثية تحاكي جذور فلسطين لتعلن التلاحم بين الأرض والإنسان والتاريخ معًا.

وسرد الباحث المتخصص في مجال التاريخ حكاية الدلعونا الفلسطينية والتي بدأت جذورها بقصة شعبية بطلاها شاب وفتاة فلسطينيان، وكان اسم الشاب (عليان بعل)، واسم الفتاة (عونات)، ولكن القدر فرق بينهما حيث هاجرت عونات إلى قرية أخرى، وأخذ عليان يبحث عنها وهو يغني موالًا قال فيه: (دلوني على عونات) ثم نُحتت هذه الكلمات مع مرور الزمن لتصبح (دل عونات)، ثم اختصرت إلى دلعونة.