رأي الوطن العمانية
باستلام حكومة الوفاق الوطني مهامها في قطاع غزة برئاسة رامي الحمدالله، بعد قيام حركة حماس بحل اللجنة الإدارية بالقطاع، يمكن القول إن الفلسطينيين قد وضعوا قدمًا أولى على طريق طي صفحة الانقسام والعمل على إتمام المصالحة، ما يمهد الطريق لبدء مرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني الفلسطيني، وتأسيس مشروع وطني جامع يتوحد معه الشعب الفلسطيني بجميع أطيافه وفصائله، ويحقق تطلعاته نحو طي صفحة الانقسام إلى الأبد، والنظر بجدية تامة ومطلقة إلى مستقبل القضية الفلسطينية، وإلى التعاطي الدولي مع الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وفق التموضع الأميركي الجديد بعد جملة المواقف التي أطلقها الرئيس الجمهوري دونالد ترامب فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومن ملف الصراع بأكمله.
يأتي هذا الحراك الذي تقوده مصر لترميم البيت الفلسطيني ورأب تصدعاته وسط وجود وعي لدى الفلسطينيين أنفسهم بالوضع الحالي الذي هم فيه ومدى خطورته وانعكاساته، سواء على مستقبل قضيتهم أو على مسار نضالهم الذي يجب أن يكون موحدًا ومتحدًا في مواجهة صلف كيان الاحتلال الإسرائيلي وتنمره على الحقوق الفلسطينية، فقد نبَّه الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف إلى خطورة الموقف الفلسطيني والمأزق الذي تمر به القضية الفلسطينية جراء الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني في ظل التعنت الإسرائيلي، وأيضًا الصمت الطويل واللافت من الولايات المتحدة تجاه الاستعمار الاستيطاني المستمر قدمًا في الأراضي الفلسطينية.
صحيح أنه لا تزال هناك عقبات تواجه المصالحة الوطنية الفلسطينية ما قد يهدد بنسفها استنادًا للتجارب السابقة، إلا أن هذا الوعي لا بد أن يبلغ مداه، ويأخذ مجراه الصحيح، فاستلام حكومة الوفاق الوطني المؤسسات الحكومية في قطاع غزة، وتشكيل لجان لحلحلة القضايا العالقة بين الحركتين الفلسطينيتين الكبريين (فتح وحماس)، وكذلك لتولي المعابر والحدود والأمن، وقبول حركة حماس المشاركة في السلطة وضمن حكومة وطنية موحدة، يمكن أن يكون بداية جيدة وخطوة طيبة نحو الإنجاز التام لملف المصالحة وقضايا الخلاف.
لا يخفى على أحد وخاصة الفلسطينيين أنفسهم أن الانقسام الفلسطيني كان المستفيد الأكبر والأوحد منه هو عدوهم المحتل الإسرائيلي الذي تمكَّن من توظيفه في مخططاته ومشاريعه الاحتلالية، وإحداث تغيير جوهري في الجغرافيا الفلسطينية والعبث بها بما يحقق له أهدافه الاستعمارية الاستيطانية، ويمكِّنه من نهب مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية، والمساس بوضع مدينة القدس المحتلة، ومقدساتها وتحديدًا المسجد الأقصى الذي يكاد نجح في تقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا، لذا فإن أي خطوة للوراء بعد خطوة المصالحة هذه، ومباشرة حكومة الوفاق الوطني مهامها في قطاع غزة، إنما يعني ذلك إعادة تمكين عدوهم الإسرائيلي من استكمال مشروعه الاستعماري الاحتلالي فيما تبقى من فتات الضفة الغربية والقدس المحتلة، وهو ما يعد جريمة بحق الوطن الفلسطيني ويرتب مسؤولية أخلاقية على المتسببين في الانقسام. فالانتصار على الذات وتغليب المصلحة الوطنية على أي مصلحة حزبية أو فصائلية، والعمل معًا على تكوين جبهة فلسطينية موحدة يواجه بها الفلسطينيون السعار العنصري الإسرائيلي وسعار الاستعمار الاستيطاني هو الأمر الملح والمطلوب شعبيًّا فلسطينيًّا وعربيًّا، وبالتالي الدخول في التفاصيل غير الجوهرية التي يكمن فيها الشيطان، والابتعاد عن لب القضية وثوابتها ومرتكزاتها إنما يعني نكوصًا مؤلمًا ومخيبًا للآمال، ومرفوضًا جملةً وتفصيلًا، ويعطي صورة مغايرة ومخالفة عن ما يردده القادة في الحركتين (فتح وحماس) على المنابر الإعلامية وبين الواقع. لذلك تعد خطوة المصالحة هذه اختبارًا عمليًّا وحقيقيًّا لمدى النضج السياسي والفكري والاستقلال وليس التبعية، كما أنها فرصة تاريخية لتصويب البوصلة نحو ثوابت القضية والتمسك بها والاستماتة في الدفاع عنها.