فلسطين أون لاين

تقرير "اجنسنيا".. جنة فلسطينية صغيرة آثارها تحكي تاريخها

...
"اجنسنيا".. جنة فلسطينية صغيرة آثارها تحكي تاريخها
نابلس-غزة/ مريم الشوبكي:

بين وديان وسفوح نابلس الخضراء تقع قرية صغيرة تعرف بـ"اِجْنِسِنْيا". ربما لم يسمع كثير منا عنها من قبل؟!، ولكنها مكان بالغ في القدم تعود معالمها إلى الحكم الروماني واليوناني.

تلفظ "اجنسنيا" بكسر الألف وسكون الجيم، وكسر النون والسين وسكون النون الثانية، وهي تبعد عن مركز نابلس 12 كم شمال غربي المدينة وترتفع عن سطح البحر 460 كيلو مترًا، وتبلغ مساحتها 6547 دونمًا، محاطة بقرى سبسطية، نصف اجبيل، بيت أمرين، الناقورة الجنوبية.

لوهلة قد تتلعثم في نطق اسم القرية وتشعر بغرابة الاسم، ويراودك سؤال عن معناه. يذكر المحاضر الجامعي والباحث التاريخي، وأحد أبنائها د. باسل كيوان في كتابه "اجنسنيا بين الماضي والحاضر" الكلمة "آرامية" وتعني "الجنس أو العرق ذاته"، أي أن سكانها ليسوا غرباء عن المنطقة.

ويوضح كيوان لـ"فلسطين" أن سكان "اجنسنيا" هم سكان سبسطية التي كانت تسمى السامرة إذ نزحوا عام 122 قبل الميلاد حين دُمّرت على يد سرجون الثاني، وكثير منهم استوطن في القرية.

ويشير إلى أن القرية تغير اسمها إبان الحكم الفارسي للقرية ما بين 532-539 قبل الميلاد إلى لـ"جنسانيا" وهي كلمة آرامية بمعنى ثمر العليق، الذي يدل على خصوبة الإنتاج في القرية.

وينقل رواية أخرى أن الاسم جاء من اسم مركب: "جنة النساء" حيث كان فيها الكثير من ينابيع المياه وكانت الملكة "هيلانا" تأتي من سبسطية هي وجواريها للاستحمام فيها "وجنة" أيضًا بسبب كثرة أشجار اللوزيات والزيتون فيها والينابيع الوفيرة، مشيراً إلى أن هذين التفسيرين ليس لهما أي دلالة تاريخية.

وينبه كيوان إلى اسم القرية لم يرد في المصادر التاريخية التي تناولت العصور الوسطى، ومرد ذلك يعود اهتمام المؤرخين بتسليط الضوء على المراكز الهامة في فلسطين القدس رام الله ونابلس. 

ويلفت إلى أن آخر تسمية للقرية ورد في سجلات المحاكم الشرعية العثمانية بإسقاط حرف الأول من الاسم المتداول فلسطينياً الآن، إذ وردت بلفظ "جنسنيا" بإسقاط الألف، ويعود إلى ضعف في الكتابة على زمن العثمانيين.

وعن أشهر آثار القرية، يذكر الباحث كيوان، دير حميد الذي يعود للقرن الرابع عشر 14 قبل الميلاد إبان العهد اليوناني. وهناك أيضًا "مرقد الشعمي" القريب من بئر النبعة بالقرية ويعود إلى العهد الروماني، لافتًا إلى أن البئر لا تزال موجودة حتى اليوم فهي مصنوعة من مادة صلصالية.

ويقول: تمثل البئر جانبًا هندسيًا رومانيًا، لكن كل المعالم الحديثة في القرية تعود للعهد العثماني، وهناك دير يوناني وثني للإله "جيوش" وهو معبد يرمز للحب والآلهة، وهو مقابل لسبسطية.

وينبه د. كيوان أن في القرية دير الشيخ شالي الذي يعود إلى الحقبة اليونانية، وقد أطلق عليه الاحتلال الإسرائيلي اسم "النبي حارق" من أجل السيطرة عليه ونسبه إليهم.

أربع عائلات

ويقطن "اجنسنيا" اليوم أربع عائلات فلسطينية هي: (كيوان، بُرهم، والشايب، وربيعة) وهناك عائلة وافدة هي عائلة الحاج. 

وترجع تسمية تلك العائلات للدولة العثمانية التي يطغى طرازها المعماري في البلدة القديمة في القرية، كما يبين رئيس مجلس قروي محمود الأسعد، مقدراً عدد سكان القرية بنحو 750 نسمة يعتمدون في حياتهم المعيشية على زراعة الزيتون، واللوزيات، والزراعات البعلية.

ويلفت إلى أن أكثر من نصف أراضي القرية أوقفت لمصلحة المسجد الإبراهيمي إبان الحكم العثماني، حتى صدر قانون تمليك الأراضي في العام 1859م، وصار الناس يتملكون الأراضي فيها.

ويذكر الأسعد أن أهالي القرية يعانون عدة صعوبات اليوم، منها أن الطريق المؤدي لقرية زواتا والذي عّبِد في العام 1999م يحتاج إلى تطوير وتوسعة، إضافة إلى مشكلة العجز في المياه إذ لا يستطيع النبع تغطية احتياجات أهالي القرية من الماء.

وتضم القرية، وفق الأسعد، مدرسة واحدة أساسية مختلطة، يُتِمُّ الطلبة فيها الدراسة حتى الصف الثامن، وتستوعب 130 طالبًا، ثم يكملون دراستهم في بلدة سبسطية المجاورة.