على وقْع الأهازيج الفلسطينية، وبين نغمات الفلكلور الفلسطيني، تنطلق سيّدات فلسطينياتٌ يحملنَ قلوبهنّ المفعمة بالحبّ والانتماء إلى أرض الحاجة "أم نسيم" في منطقة خزاعة بمحافظة خان يونس، متسلحاتٍ بخبرةٍ طويلة في مجال طهي الأكلات التراثية الفلسطينية.
ففي مبادرة "زادنا دافي وأكلنا وافي" التي أطلقتها الجمعية الفلسطينية لفنون الطهي، يعمل الفريق المكوّن من 15 عضوًا على طهي المأكولات الفلسطينية على طريقة الأمهات والأجداد للحفاظ عليها وتعليمها للجيل الجديد.
والجمعية الفلسطينية أُنشئت قبل عامٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة، بصورةٍ تتجلى فيها روح العطاء والرحمة، إذ تعمل على تلبية حاجات الفقراء والمحتاجين عبر تقديم وجبات طعام تراثية تأتي محملة بلمسات العناية بالتراث الفلسطيني، وهو ما تؤكده نائب مدير الجمعية سمر النباهين.
وتضيف أن المبادرة تسعى لنقل هذا التراث الغذائي الفلسطيني إلى الأجيال القادمة والحفاظ عليه، "في ظل عولمة الطعام وظهور مأكولات كثيرة طغت على نكهة التقاليد الفلسطينية".
وتتابع النباهين لـ"فلسطين": "قيمة الحفاظ على تراث الطعام الفلسطيني تُشكّل تحديًا مهمًا أمام الضغوطات التي تتعرض لها الأجيال الجديدة، من تغيير العادات الغذائية وطرق إعداد الوجبات، إضافة إلى محاولات الاحتلال الإسرائيلي لتهويد المأكولات الفلسطينية".
فرق شبابية
وتشير إلى أنهم يعملون برفقة مجموعة من الشباب على تطبيق الأكلات القديمة على أصولها وتعليمها لبناتهن، مؤكدةً أن سياسة الاحتلال في تهويد الأكلات الفلسطينية كانت دافعًا للحفاظ على الأكلات الشعبية لكونها جزءًا من الهوية والتاريخ الفلسطيني والإرث الحضاري.
وقسم الفريق نفسه إلى مجموعات، كلّ واحدة تكفّلت بطهي طبخةٍ تراثية على الأصول الفلسطينية دون أي إضافة عصرية، فتولّى بعض الشباب مهمّة تجميع الحطب وإيقاد النار، وآخرون تكفلوا بتحضير المكونات.
وعددت الشيف النباهين أهم الأطباق الشعبية التي صنعوها، ومنها: المسخن والسماقية والرمانية والقدرة والمفتول وخبز الصاج، قائلة: إن تعريف العالم بطعامنا الفلسطيني لا يكون إلا بالحفاظ عليه كما هو دون أي إضافات تذكر.
وعلى الرغم من أن المقلوبة الفلسطينية أكلة تراثية معروفة في كلّ بيت فلسطيني، فإن الكثير من السيدات لا يطبخنها على أصولها، وفق النباهين، موضحةً أن المقلوبة كانت تسمى قديما "باذنجانية" إذ تتكون من الباذنجان واللحم الأحمر البقري والأرز فقط.
وتسرد: "تشتهر فلسطين بالمسخّن المغمور بزيت الزيتون والسمّاق والبصل، وهذا يدل على أن طعامنا يروي فصول كفاحٍ فلسطيني ضد الاحتلال ومحاولات خلع شجرة الزيتون التي تدلّ على أن فلسطينيًّا مرّ من هنا".
وتلفت النباهين إلى أن الاحتلال لم يترك شيئًا إلا وسطا عليه، ونسبه إليه من التاريخ الفلسطيني العريق، فلم يكتفِ بسرقة البيوت والأراضي، بل وصل به الأمر إلى نسبة العديد من الأكلات الفلسطينية إليه.
ويستغل الاحتلال اليوم العالمي للحمص الذي يوافق 13 مايو/ أيار من كل عام، للاحتفال بـ "طبقه الأيقوني" بزعمه أن الحمص طبقٌ إسرائيليّ، إضافة إلى التسويق له، كما عمل أسبوعًا "للشكشوكة" في ديسمبر/ كانون الأول من كل عام.
ويدّعى الاحتلال أنهم عرفوا "الفلافل" قبل خروجهم من مصر، وفي أثناء إقامتهم فيها، وأعادوا هذا الطبق معهم إلى الأرض المقدسة، على حد قولهم، لافتين إلى أن المصريين القدماء (الفراعنة) عرفوا الفلافل منهم، وأن الدول المجاورة هي التي "سرقت" طبقها "الوطني".
وتعلّق النباهين: لكننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام محاولات الاحتلال للتهويد حتى في أكلاتنا الشعبية، وبتنا نرد عليه في كل المهرجانات، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي بعد الثورة التكنولوجية.