فلسطين أون لاين

مع بدء السنة الدراسية الجديدة؟

هل نجحت مدارسنا في إنتاج الإنسان الفلسطيني القادر على مواجهة التحدّيات؟

سؤال أعتقد أنّه في غاية الأهمية، عندما تستلم المدارس أبناءنا اثنتي عشرة سنة، هل تنجح في إنتاج الإنسان الفلسطيني القادر على مواجهة التحدّيات؟ 

من يضع يده على الجرح ويدلّنا؟ أين الخلل؟ في المناهج أم النظام التعليمي أم فلسفة التربية أم أهداف التربية؟ هل هناك مشكلة في العمل على دوافع السلوك في حين نشتغل في ظواهر السلوك؟ 

الحديث يطول، وقد أصبح من بديهيات القول عن أهمية العلم وطلبه، واحترام المعلم، وإنجاح العملية التعليمية.

واضح أن التركيز على أهمية الموضوع أمر نتقنه، ولكن كيف نصل إلى القيم السلوكية في حياتنا؟ نعم مشكلتنا في كيف؟ هل نجحنا في الوصول إلى أهدافنا؟ وهل الطرق والوسائل التي استخدمناها نجحت في إيصالنا إلى هذه الأهداف؟ ثم في فلسفة التربية هل لنا فلسفتنا التي تحمل هويتنا الحضارية، أم هي مزيج بين الغربية والشرقية، فلا أتقنا الغربية، ولا حافظنا على الشرقيّة؟ 

مثلًا: (قيمة الديمقراطية كقيمة سلوكية نجحت مدارس الغرب في إنتاجها، وأصبحت ممارسة عملية في حياتهم، في المدرسة والبيت والمؤسسة، هل نجحنا نحن مثلًا في إنتاج قيمة أو خُلق كتطبيق عملي وكمنتج سلوكي في حياتنا؟ الجواب واضح: لا أو ليس كما يجب، جميل، على سبيل المثال: لماذا لم ننتج أخلاقنا كقيم سلوكية في حياتنا؟ 

اقرأ أيضًا: معركة العقول هي الأخطر

اقرأ أيضًا: أن تستعيد فلسطينيّتك وتقاوم إلغاءها

لماذا نتعلّم؟ لننتج أخلاقًا وقيمًا سلوكيّة أم إنسانًا يحمل معلومات كثيرة، أم مواطنًا ملتزمًا بقوانين وأنظمة الدولة واحتياجات السوق الرأسمالية، أم إنسانًا قادرًا على تكوين أسرة وإنجاب أبناء قادرين على تلبية احتياجاتهم المعيشيّة والعيش بسلام ورفاهية بعيدًا عن قضيته وهمِّ شعبه العام، أم إنسانًا حرًّا مشتبكًا مع المحتلّ وقعت عليه ويلات الاحتلال بصورة مدمّرة لكلّ مكوناته النفسيّة والحياتية، وهو قادر على مواجهتها بامتياز؟ 

سؤال جوهري لو انشغل عليه جيدًا لأنتج كثيرًا، كيف تدرّس القيم والأخلاق في مدارسنا؟ هل المدخلات تتناسب مع المخرجات المطلوبة، والتي باتت ملحّة في أيامنا أكثر من قبل؟ 

قيم الحريّة، والكرامة الإنسانية، وتحقيق الذات القويّة القادرة على المواجهة والتحدّي والمرابطة والصمود والثبات، في ظلّ احتلال يريد أن يقتلعنا من جذورنا، ويمحي هويتنا الثقافية والحضاريّة، ويمسخ فينا كلّ مكونات الشخصية القادرة على تحقيق الذات وتحقيق الانتصار.

على سبيل المثال، كثير ممن يحصلون على فرص مادّية جيدة تتطلّب الهجرة من البلد لا يفكّرون في الأمر ثانية واحدة، لماذا يتخلّى بسهولة عن الرباط والثبات والصمود والاستمرار مع شعبه المشتبك مع الاحتلال؟   

أعتقد حسب المخرجات القائمة بين أيدينا لمدارسنا ومناهجها التربويّة أننا حقّقنا بلا شك نجاحات كثيرة في واقع العلم والتعليم والتربية كذلك، لكننا أيضًا أخفقنا كثيرًا في إنتاج إنسان التحدّي وتحقيق الانتصار، هناك ثغرات أخلاقية كثيرة، هناك ضعف في إرادة التحرّر وبناء الذات الثورية، والتي هي ضرورة في ظل احتلال إحلالي يريد أن يشطب شعبنا عن الخارطة الجغرافية والتاريخية والسياسية، طبعًا أنا لا أنفي ذلك بالمطلق، ولكن بشكل عام هي هكذا، هناك محاولات منهجية تسعى إلى حرف الإنسان الفلسطيني عن أن يكون قادرًا على القيام بما هو مطلوب منه وفق التحدّيات التي يواجهها في حياته، هناك مثلًا مدارس وكالة الغوث وفرض موضوع عدم التحيّز على العملية التربوية، بمعنى أن المعلّم عليه ألا ينحاز إلى فلسطين وقضيته، وأن يقف على الحياد، أعلم أن غالبية معلمينا يرفضون هذا الأمر، ولكننا في النهاية لا ننتج إنسان القضيّة إذا جاز التعبير، بمعنى الإنسان المنتمي لقضيّته، وعنده الاستعداد للتضحية من أجلها. 

يجب أن نقرع ناقوس الخطر، ونعمل بقوّة على إحداث التغيير المطلوب في مناهجنا ومدارسنا وفق فلسفة تربوية واضحة المعالم، لنحدّد أولًا محددات وملامح الشخصية الفلسطينية والمطلوب منا إنتاجها، وفق هذه التحديات خاصة مع وجود هذا التطرف الإسرائيلي غير المسبوق، وخاصة أيضًا في مدارسنا في القدس.