فلسطين أون لاين

والده لـ"فلسطين": جاؤوا بـ40 آلية وأطلقوا النار بشكل مكثف لـ20 دقيقة

تقرير محمد الشنتير.. وقف شامخًا أمام الأسر وكتبَ عهدًا مليئًا بالأمل لأمه

...
الخليل-غزة/ يحيى اليعقوبي:

وقف شامخًا كشموخ جبال فلسطين وثابتًا كأشجارها، بنبرة مليئة بالتحدي وعيون تملؤها الشجاعة يطلب من أمه وشقيقاته عدم البكاء في أثناء محاصرته من قوات الاحتلال الإسرائيلي لحظة اعتقاله ليبث الأمل مجددًا: "الله أكبر والنصر للإسلام".. لتتحول لحظة البكاء إلى أمل وتحدٍّ لتصدح حناجر العائلة معه بالتكبيرات.

"هؤلاء من جاؤوا ليعتقلوني، والله سيندحرون بإذن الله عن هذه الأرض المباركة، لأننا أصحاب حق وهم أصحاب باطل، وما بني على حق سينتصر، وما بني على باطل ينهزم"، قالها محمد الشنتير قبل تسليم نفسه للقوات المدججة بالسلاح المحاصرة لبيته في "خلة مناع" جنوبي الخليل.

 

اقرأ المزيد: ​​​​​​ منفذ عملية الخليل: سلكنا طريق العزة والكرامة والاحتلال إلى زوال

قبّل قدمي والدته ويديها وعانقها العناق الأخير وكتب عهدًا مليئًا بالأمل بلقاءٍ قريب؛ داخل الأسر خلف زجاج عازل أو خارجه عندما تكسر المقاومة في إحدى صفقات التبادل الحكم المنتظر بحق نجلها الذي يتهمه الاحتلال بتنفيذ عملية إطلاق النار التي وقعت في 21 أغسطس/ آب الجاري، قرب مستوطنة "كريات أربع" في الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، وأدت لمقتل مستوطنة وإصابة آخر بجراح خطرة.

قبل الدقيقة الأخيرة

كان المشهد في اللحظات الأخيرة لحادثة الاعتقال عند الساعة الثانية وخمس عشرة دقيقة فجر الأربعاء الماضي، يعيد والده سرد تفاصيلها لصحيفة "فلسطين" قائلًا: "جاؤوا ليلًا بقوات كبيرة ربما كانت نحو أربعين آلية، حاصروا البيت. استيقظنا على أصوات إطلاق نار مكثف في الهواء استمر نحو 20 دقيقة".

في الداخل ارتجفت قلوب الأطفال والنساء، الذين أرعبهم الرصاص المتواصل "لدي بيت كبير به خمس شقق، نحن الكبار خفنا فما بالك بالأطفال؟ كنا نتساءل: لماذا جاؤوا إلينا؟! اعتقدت أن قدومهم عادي كحملات الاعتقال التي تحدث هنا وهناك، توقعت أن يكون أحد بيوت الجيران المستهدف"، ينقل والده ما جرى.

توقف إطلاق النار فجأة، وبدأ الجنود ينادون بمكبرات الصوت على العائلة: "على الجميع الخروج من المنزل. محمد صقر (ابن عم محمد) عليكم تسليم أنفسكم".

وأكمل: "خرجنا من بيوتنا، واحتجزونا في غرفة واحدة، وأنزلوا كلب حراسة مدربًا دخل المنازل وفتشها للتأكد من عدم وجود أي رجل، ثم قيدوا أبنائي وسحلوهم أرضًا، ثم اعتقلوا محمد وابن عمه صقر".

وقف الشنتير في دهشة من عملية اعتقال نجله، فمنذ تنفيذ عملية الخليل التي يتهم الاحتلال نجله بتنفيذها كان يمارس حياته الطبيعية، بالذهاب من البيت إلى العمل حتى آخر لحظاته.

درس الأسير الشنتير تخصص هندسة الديكور وعمل في هذا المجال أكثر من سبع سنوات، وفق والده، وفي الفترة الأخيرة انتقل للعمل في "شحوم السيارات"، وهو أب لأربعة أطفال هم: يارا (11 عامًا) وسارة (10 أعوام) وعدي (6 أعوام) ويافا (عامان).

وقفت يارا وأشقاؤها بنظرات تحضرها الدموع، يرقبون المصير المجهول الذي ينتظر والدهم، يسألون جدهم عن موعد عودته إن كان بعد أيام أو شهر أو سنة، فقبل أيام اشترى لهم ملابس المدرسة استعدادًا للعالم الدراسي الجديد، لأول مرة سيغيب محمد عن توصيلهم إلى صفوفهم، لم يجد الجد أجوبة لأحفاده لأنه لا يعرف ما ستؤول إليه الأمور.

بكلمات مليئة بالأمل والتسليم بقضاء الله أوكل مصير نجله للقدر قائلًا: "قدر الله وما شاء فعل، وما هو مكتوب سيحدث، أسأل الله أن يلطف فينا، نحن نريد أن نعيش بطمأنينة واستقرار".

وطنه ووالداه

انتمى الأسير الشنتير لفلسطين، وعبر عن حبه بالفخر الذي أظهره لرموز المقاومة على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، كان والده شاهدًا على هذا الحب الذي ولد مع طفله "كل إنسان يحب وطنه وهذا الشيء الطبيعي، ومقاومة الاحتلال حق مشروع في كل القوانين الدولية، الاحتلال نفسه يعرف ذلك؛ فالشعب الواقع تحت احتلال سيقاوم حتى تحرير أرضه".

كان والداه وطنًا آخر، لم يكن هناك حدود لهذا الحب، يغلّف الحب صوت والده: "كان محمد بارًّا بوالديه لدرجة غير عادية، يأتي صباحًا ومساءً يقبل يدينا وجبهتينا، كريم علينا ماله ليس له، خلوق ومؤدب يكرس وقته وحياته لأولاده".

قبل عشرة أيام مرض الشنتير الأب، ولم يفارقه نجله الأسير، يستحضر الموقف: "ظل يجلس تحت قدمي يقبلهما، وخلال إجرائي عملية القسطرة القلبية لم يفارقني لدرجة أنه كان يريد الدخول معي في غرفة الجراحة".

إضافة إلى صفات الكرم والأخلاق والمحافظة على الصلاة، تحلى الأسير الشنتير بصفات "الشجاعة والشهامة" التي كانت سمات ملازمة لشخصيته طيلة حياته، عايشها والده من كثب، تتدفق كلمات الفخر من قلبه: "كان رجلًا بمعنى الكلمة، أصبح عمري سبعين عامًا ولم أسمعه يلفظ كلمة تغضب الله، تميز بتقوى الله وبالشهامة".

لحظة الإعلان عن عملية الخليل، تابع الشنتير الخبر كأمر عادي، لكن لا يزال يدهشه أن نجله المتهم بتنفيذها عاد إلى البيت يومها، ونزل إلى عمله ومارس حياته بشكلها الروتيني.

المصدر / فلسطين أون لاين