فلسطين أون لاين

استشهد بنيران الاحتلال في جنين

تقرير عثمان أبو خرج.. فتى بجرأة وشجاعة الرجال

...
الشهيد الفتى عثمان أبو خرج- أرشيف
جنين-غزة/ أدهم الشريف:

لم تكن سوى بضع دقائق قضاها عثمان أبو خرج بعدما عاد إلى منزله بمدينة جنين في ساعة مبكرة فجر الثلاثاء الماضي، كانت في حقيقتها لحظات وداع لم يدركها والداه وأشقاؤه.

في ذلك الوقت بدا أن عثمان (17 عامًا) ليس على ما يرام، إذ هيمن عليه التوتر وهو ينادي بصوت عالٍ أنا "طالع عليَّ شغل".

عندها غادر عثمان المنزل مجددًا، مع بدء اقتحام قوات مدججة من جيش الاحتلال الإسرائيلي بلدة الزبابدة التي يقطنها وعائلته جنوب شرق مدينة جنين، شمالي الضفة الغربية المحتلة.

لم يمضِ كثير من الوقت حتى اندلعت اشتباكات عنيفة سمع صوتها في أرجاء جنين، وقد خاضها شبان الزبابدة، وفي مقدمتهم عثمان ضد جنود الاحتلال المتوغلين.

ومع كل رصاصة كان يدوي صوت أزيزها، كان قلب والدة عثمان فايزة أبو خرج (45 عامًا) يدق بعنف يكاد يخلعه من بين أضلعه.

وفي الجانب الآخر عاش عاطف أبو خرج (50 عامًا) والد عثمان، وأشقاؤه الثلاثة، وشقيقته الوحيدة الشعور ذاته، هذا كونهم جميعهم يعلمون شجاعته التي كانت دائمًا تجعله في مقدمة المواجهات ضد الجنود المدججين والمحصنين بمركبات مصفحة، يطلون برؤوسهم من خلفها بأسلحتهم الرشاشة، ويستهدفون الأشبال والفتية وحتى الأطفال برصاصات قاتلة.

كان الجميع يخشى إصابته بهذه الرصاصات، فهو كما يعده أفراد العائلة آخر العنقود وأكثرهم محبة ودلالًا.

اقرأ أيضاً: جنين.. تشييع الشهيد عثمان أبو خرج وسط حالة من الإضراب العام

لكن قدر الله هذه المرة أمرًا كان مفعولًا "أصيب عثمان برصاصتين أردتاه أرضًا، وحالت دون قدرته على الوقوف مجددًا"، يقول شقيقه محمود.

بالكاد استطاع محمود (22 عامًا) إكمال حديثه عن شقيقه الأصغر منه لصحيفة "فلسطين"، وهو أكثر المقربين إليه من بين أشقائه، مردفًا: كان عثمان يلقي "الأكواع" واحدًا تلو الآخر صوب الجيبات المصفحة.

ويلجأ الشبان إلى استخدام أدوات مختلفة في التصدي لتوغل قوات الاحتلال المتكرر في مدن ومحافظات الضفة الغربية، التي يتصاعد في مخيماتها وقراها العمل المقاوم.

من بين هذه الوسائل الزجاجات الحارقة "المولوتوف" والحجارة و"الأكواع" وإشعال الإطارات وإغلاق الشوارع بها.

لكن عثمان كان قد أتقن صنع "الأكواع" واستخدامها في عدة مواجهات ضد جنود الاحتلال، الأمر الذي لم يرق لهؤلاء، فقرروا اغتياله.

يقول شقيقه: رغم صغر سنه إلا أنه كان يملك قلبًا جريئًا، وتصرفاته دائمًا كانت أكبر من عمره بكثير.

وأضاف أن قناصة الاحتلال أصابوه برصاصتين، إحداهما كانت قاتلة في منطقة الرأس، والثانية أصابت ساقه اليسرى.

على أثر ذلك استشهد عثمان فور إصابته برصاص الاحتلال، فاشتعلت المواجهات أكثر في بلدة الزبابدة التي تتعرض كغيرها من بلدات الضفة لعدوان يشنه الجيش بشكل متكرر، ويستهدف أهلها ومعالمها.

وقد ترك استشهاد هذا الفتى فراغًا كبيرًا لدى أفراد عائلته، خاصة محمود الذي يكبره ببضعة أعوام، وكانا كما يقول الأخير "ناقر ونقير (أي دائمًا ما يتناكفان برفق)"، بسبب لبس عثمان المتكرر لملابسه.

"كانت أيامًا جميلة لن أنساها مهما مرت سنين، فاليوم لم يعد هناك أحد أتناكف معه" قال محمود وبدا آسفًا على فراق شقيقه المقرب منه.

أما عن بلدة الزبابدة التي تقطنها عائلة الشهيد، فهي تحظى بتاريخ عريق يعود للعصر البيزنطي، واحتضنت آثارًا مسيحية شهيرة من ذلك العصر، ودمرت في القرن السابع الميلادي بسبب الحروب المتتالية، وفق ما توثقه موسوعة القرى الفلسطينية.

ويزيد عدد سكان الزبابدة على 4700 نسمة، وفق مصادر رسمية، شارك جزء كبير منهم في تشييع جثمان الشهيد عثمان إلى مثواه الأخير، بعد إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، وارتفعت زغاريد النساء، وهن يقفن في وداعه إلى مقبرة البلدة.

كان الجميع يهتف: "بالروح بالدم نفديك يا شهيد.. ع القدس رايحين شهداء بالملايين".