فلسطين أون لاين

الاحترافية شرط في المصور حتى وإن افتقدتها الكاميرا

الأعرج.. مصوِّرٌ "هاوٍ" نقل "فلسطين" إلى الغرب

...
غزة - هدى الدلو

ساقه الشغف نحو ممارسة هوايته المحببة؛ بعدما أُغلقت الأبواب في وجهه بعد تخرجه، وطال وقوفه في طابور البطالة ومع ذلك لم يحظَ بوظيفة تناسب تخصصه الجامعي الذي سهر الليالي من أجل الحصول على شهادة جامعية، فلجأ إلى ممارسة العمل من خلال الموهبة التي بين يديه، ففكر أن يستثمر هوايته في العمل ليكسب منه المال ويبني مستقبله، لا سيما أنه لن تواجهه منحنياتٌ كثيرة، فهو يعرف كل التواءاتها وتعرجاتها.

معتز الأعرج (26 عامًا) من مدينة رفح في قطاع غزة هو مصور فوتوغرافي اعتاد أن يلتقط بعينه الثالثة صورًا رائعة تظهر جمال الطبيعة في القطاع.

احترافية التصوير

الأعرج الذي أنهى دراسة بكالوريوس "لغة عربية وإعلام" في جامعة الأزهر بغزة، كان يهوى التصوير منذ صغره، واستخدم كاميرات بسيطة وعادية ليلتقط صورا لوجوه الأطفال والزهور المتفتحة، وأمواج البحر المتلاطمة مع مشهد غروب الشمس، وقال: "لكن في عام 2010 كانت بداية التطوير، وخاصة أن المكان الذي أسكن فيه يهيئ لي الأجواء للتصوير على اعتبار أنها على منطقة حدودية".

أصبح معتز يمارس هوايته بشكلٍ أكبر مع تأهله للمستوى الجامعي، وأثناء توجهه من رفح حتى غزة، كان في بعض الأحيان يتعمد في اختياره للجلوس في السيارة بالمقعد المجاور للشباك، ويهيئ عدسة جواله لالتقاط أي مشهد يجذب عينيه، رغم أن بعض الصور التي توثقها عينه الثالثة لا تحتوي على تفاصيل كثيرة، لكنها تبرز جمال المدينة وصخب الحياة التي يضج في أروقتها، كما أن هذه الصورة التي يتوقف فيها الزمن تصبح ذكرى.

امتلك الأعرج فيما بعد كاميرا ديجتال أصبحت ترافقه في كل مكان، ومن أبرز الصور التي التقطها صورة الصياد وشباكه في ميناء بحر غزة، مضيفًا: "المشكلة التي واجهتني أن تخصصي الجامعي لم يطرح أي مساقات دراسية لها علاقة بالتصوير الصحفي".

لكن الخبرة والممارسة كان لهما الدور الأكبر في تطوير هوايته، ما أحدث نقلةً نوعية في التصوير، فكان لا يترك شيئًا إلا ويلتقط له صورة، من مناظر طبيعية، وهمجية الاحتلال الإسرائيلي في الدمار والتضييق، وعيون الأطفال وضحكاتهم وبراءتهم، حتى أيقن أنه يمكن للشخص أن يبدع في التصور حتى وإن لم يمتلك كاميرا احترافية.

ويتابع الأعرج حديثه: "بعد أن تخرجت وأصبح مصيري كآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، قررتُ استغلال موهبتي في التصوير لتصبح هواية وعملا"، ليستنزف فيها جهده ووقته إلى جانب المادة أيضًا، فعمل مصورًا لصالح شركات عدة للدعاية والإعلام والديكور، وصحف محلية، ووكالات أجنبية، كمصور صحفي حر يهوى العمل المنفرد في هذا الإطار، بدلًا من العمل وفق سياساتٍ وأنظمة"، وفق حديثه.

وقت الحرب

وإضافة إلى أنه نقلَ الصورة الجمالية لمدينة غزة من بحرها وسمائها وبرها وشعبها بمعاناتهم ومأساتهم، فقد نقل أيضًا الصورة الأخرى التي لا يكل الاحتلال ولا يمل من تشويهها من خلال شنه الحروب وتدمير المباني وحرق المزارع وقتل الأطفال والنساء، فقد حمل كاميرته في حرب عام 2012 ونقل صورة للعالم الخارجي، وعمل دون مقابل، فقد كان يُوثّق ويصور ويرسل صوره للصحف والوكالات، وينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بذريعة "أنا ابن هذه البلد ويجب أن يكون لي رسالة، فالقضية في ذلك الأثناء كانت بالنسبة لي وطنية أكثر من أن تكون مهنية، وأرى أن كل منا يمتلك سلاحه الخاص وعليه أن يرفعه في وجه المعتدي بالطريقة التي تمكنه من إيصال الرسالة، والدفاع عن القضية".

أما في الحرب الأخيرة عام 2014 فقد كان بين نارين، حيث كان من المُقرَر أن يسافر بصحبة أخته المصابة بمرض سرطان الدم "لوكيميا" وإجراء عملية له ليتبرع لها، فكان يجب عليه أن يحافظ على صحته قدر المستطاع ليستطيع إجراء العملية، ولكن بعدما طالت الحرب لم يتمالك نفسه إلا أن ينزل للميدان وينقل صورة حية ومباشرة عن مأساة شعبه وأوجاعه والدمار الذي لحقه.

وأكمل الأعرج حديثه: "الحامل للكاميرا خاصة في أوقات الحرب يعيش في حالة تأنيب للضمير، فيضع نفسه بين خيارات صعبة خاصة عندما يصور الشهداء والجرحى، هل أصور أم أسعف الناس؟، فقد أضع الكاميرا جانبًا، لأنقذ أرواح شعبي".

حصل في عام 2013 على المرتبة الثانية لجائزة الاتحاد الأوروبي للتصوير الفوتوغرافي، وشارك في عدة معارض للصور وفي مجموعة من المسابقات وكذلك شارك في جولات تصوير شبابية جماعية، وأقام معارض خاصة به في سويسرا وفرنسا بمناسبة يوم فلسطين ليحمل بصوره رسالة الشعب الفلسطيني للمجتمع الغربي.

وبين الأعرج أن وسائل الاتصال الحديثة والشبكة العنكبوتية سهلت عمل المصور الصحفي خاصة في أوقات الأحداث واندلاع المواجهات.

ويضيف: "قد يتعرض المصور الصحفي للمعاملة السيئة، خاصة عندما يصور كهواية وليس مهنة وهنا عليه أن يتحمل مسئولية نفسه فقد يتعرض للضرب، آملًا أن ينصلح حال الأفراد لينصلح حال المجتمع".