قائمة الموقع

"بيت جبرين" المهجرة.. نموذج مصغر لأرض الكهوف

2023-08-20T09:55:00+03:00
قرية بيت جبرين

لقرية بيت جبرين من اسمها نصيب، فهي واحدة من القرى الفلسطينية التي قاومت العصابات الصهيونية عام 1948م، إذ استمرت المقاومة فيها لمدة خمسة أشهر، وهي موقع أثري تاريخي تحمل اسمًا كنعانيًا يعني "بيت الرجال الأقوياء".

تقع القرية في الهضاب الفلسطينية شمال غرب مدينة الخليل، في موقع إستراتيجي على الطرق المؤدية إلى القدس وبيت لحم والبحر المتوسط، وبحسب من عاشوا في القرية فإن عدد سكانها كان أقل من 3000 نسمة قبل النكبة، توزعوا على مساحة 80 ألف دونم طابو زمن الدولة العثمانية.

مُغرُ جرسية

ومنذ وقوعها تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي، خضعت قرية "بيت جبرين" لأعمال تنقيب وحفر، وكشف عن ما يقرب من ألف كهف نادرة، تعود إلى فترات زمنية متعددة ومختلفة، وترافقها آلاف الكهوف الأخرى، تصل إلى 30 ألف كهف، كما يبين رئيس قسم المواقع في وزارة السياحة والآثار من الخليل جبر الرجوب.

ويوضح أن بعض هذه الكهوف يطلق عليها اسم "المُغر الجرسية"، لأنها بنيت بطريقة تشبه شكل الجرس، ولكل منها فتحة من الأعلى، ثم تتوسّع مع النزول إلى الأسفل، حتى تتشكل الكهوف مثل الأجراس تمامًا.

وتحتوي هذه الكهوف التي نحتت في الصخور على قاعات وممرات وصهاريج ومقابر، ومتاهات، ومخابئ، وبعضها يشكّل سلسلة من الكهوف وكأنها متاهات متصلة بعضها ببعض عبر ممرات.

ويقول الرجوب: "لموقع هذه الكهوف الإستراتيجي ودورها السياسي، هدمها الفرس عام 40 ق.م، وأُعيد بناؤها لاحقًا، وهي من أبرز معالم بيت جبرين الآن، فالكهوف المُغر المحفورة في الصخر لا يوجد مثيل لها في فلسطين، وتعود إلى الحقبة اليونانية في القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد".

ويضيف: "عرفت مغارة المغرة، كمقبرة تحوي إضافة إلى أماكن الدفن المحفورة في الصخر، رسومات تعطي فكرة مهمة عن تقاليد الدفن في الحقبة اليونانية في فلسطين، وهي المغارة الوحيدة المكتشفة في فلسطين التي تحوي مثل هذه الرسوم الفنية المبهرة، التي تتضمّن حيوانات وأدوات موسيقية وأشخاصًا".

ويلفت إلى أن المصادر التاريخية تعتقد أنها مقبرة لعائلة شخص يدعى ابولوفانيس ابن سيميوس، الذي كان حاكمًا لبلدة المرشيّة لمدة 33 عامًا، ومريشة كلمة كنعانية تعني القمة.

ويوضح الرجوب أن التلة يطلق عليها أهالي بيت جبرين اسم "تل صندحنة"، ويعود ذلك لوجود كنيسة من العهد البيزنطي في المكان باسم "القديسة حنة".

ويمضي بالقول: "هذه المغارة عبارة عن مدفن مستطيل حفر كاملًا في الصخر، يحتوي على قاعة، على جانبيها حفرت قبور متجاورة، تعلوها رسومات لحيوانات، ولأشخاص، ومناظر تعبيرية".

رموز تعبيرية

ووفق الصور التوثيقية للقرية، والمنشورة على موقع "موسوعة القرى الفلسطينية"، يمكن تمييز بعض أنواع الحيوانات التي رسمت مثل الأسود، والزرافة، وحيوانات صورت وهي تتناول فرائسها، وغزلان، وفيل، وأسماك، وغيرها.

وتعتقد الموسوعة بأن للرسوم الحيوانية في هذه المقبرة، وظيفة رمزية، فمثلًا الغربان رُسمت لتخويف الشياطين، أما الكلب الأسطوري ذو الرؤوس الثلاثة الذي يُطلق عليه اسم "سيربيروس"، فيقوم بمهمة حراسة المدخل، ولا يزال في وقفته هذه منذ رسمه في مدخل المدفن.

وتفيد معطيات الموسوعة بأن صدر القاعة يضم سريرًا وهو عبارة عن مصطبة حجرية يرتقي إليها بعدة درجات، "ويبدو أن التقاليد المتعلقة بالموت كانت تقام عليها، وما زال يمكن رؤية آثار الأزاميل التي تم بها حفر الصخر قبل 2300 عام، واضحة وكأن العمّال أنهوا عملهم للتو".

ويوجد داخل هذه المقبرة، وفق رئيس قسم المواقع في وزارة السياحة والآثار، كهف صغير يضم قبورًا أخرى يُطلق عليه "كهف الموسيقيين"، لوجود رسم لرجل ينفخ في الناي، وامرأة تعزف على القيثارة، "وكان ذلك جزء من تقاليد الدفن في تلك المرحلة".

وينبه الرجوب إلى أن كهوف قرية بيت جبرين أدرجت على قائمة التراث العالمي عام 2014، وفي توصيف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" للمكان، قالت بأن القرية "نموذج مصغر لأرض الكهوف"، وهي مجموعة مختارة من الكهوف حفرت في طبقة سميكة ومتجانسة من الطباشير اللينة، وتتضمّن غرفًا، وشبكات ذات وظائف متنوعة.

وتضيف "اليونيسكو" أن هذه الكهوف تقع تحت مدينتين قديمتين تعرف بـ"التوأم" هي بيت جبرين، وماريشا التي تشهد على تعاقب فترات تاريخية من الحفر والاستخدام تمتد أكثر من 2000 سنة، وترجع إلى العصر الحديدي لتمتد إلى الحروب الصليبية، وسط الإشارة إلى أن الفترة البيزنطية أنعشت بيت جبرين وجعلت منها مركزًا مهمًا للمسيحية وتزخر بعدد من الكنائس، وتشتمل المنطقة حسب اليونسكو على مجموعة كبيرة ومتنوعة من أساليب البناء تحت الأرض.

اخبار ذات صلة