شكّل اندحار جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه من قطاع غزة في صيف العام 2005، محطة تحول بارزة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تجلّت فيها تطورات إستراتيجية وسياسية مهمة، مع تأثير قوي للمقاومة الفلسطينية في إعادة توجيه مسار الأحداث جذريًا، حسبما يقول مراقبون فلسطينيون.
فقبل 18 عامًا من اليوم، بدأت سلطات الاحتلال عملية إخلاء مستوطناتها في قطاع غزة بعد 38 عامًا من الاحتلال غير الشرعي، وهو الأمر الذي لم يسبق له مثيل منذ احتلال الأراضي الفلسطينية في عام 1948.
وينسب المراقبون الفضل في ذلك إلى سلسلة عمليات المقاومة، التي تضمنت في جزء منها تنفيذ عمليات اقتحام للمستوطنات وتفجير الآليات والمركبات العسكرية وحفر الأنفاق تحت مواقع الجيش خلال سنوات انتفاضة الأقصى (2000-2005)، وهو ما كبد جيش الاحتلال والمستوطنين خسائر كبيرة، دفعت برئيس حكومة الاحتلال آنذاك أرئيل شارون عن التخلي عن نظرية أن "مستوطنات غزة مثل تل أبيب".
اقرأ أيضاً: ماذا قالت كتائب القسام عن اندحار الاحتلال قبل 17 عاماً؟
وأكد الخبير العسكري يوسف الشرقاوي أن جهود المقاومة في قطاع غزة قد أسفرت عن تطوير إستراتيجيات قتالية فعّالة وناجحة، ساهمت في فرض ضغوط كبيرة على الاحتلال ودفعته إلى الاندحار من القطاع.
وأشار الشرقاوي إلى تبني المقاومة لتكتيكات متنوعة، سواءً ما يتعلق بالتضاريس أو التطوير المستمر للأسلحة المتنوعة، ما أثّر بشدة على الاحتلال وأثار رعبه وهروبه.
وفي حديثه لصحيفة "فلسطين"، أكد الشرقاوي أن اندلاع انتفاضة الأقصى ساهم كثيرًا في زيادة نشاط المقاومة، وخاصة في استخدام الأنفاق لتنفيذ عمليات ضد جيش الاحتلال والمستوطنين، ما أثّر على معنوياتهم وأجبرهم على الهروب من القطاع للنجاة بحياتهم.
وأكد أن المقاومة لم تعرف مفهوم اليأس أو الاستسلام، وأنها مصممة على مواصلة جهودها للدفاع عن أبناء شعبها وتحقيق تحرير الأراضي الفلسطينية بأي ثمن.
وأشار إلى أن عمليات المقاومة ستستمر وتتنامى في الضفة الغربية، وستجبر سلطات الاحتلال على إخلاء أجزاء منها، مشددًا على ضرورة أن تتبنى السلطة لنهج دعم المقاومة وتوفير احتياجاتها وتقديم الدعم الكامل لها.
نقطة تحول كبيرة
وقال الخبير في شؤون الأمن القومي، إبراهيم حبيب: إن عملية الاندحار من قطاع غزة تمثل نقطة تحول كبيرة في تطوير أداء المقاومة وقدراتها العسكرية، ما أدى إلى توسع نطاق معاركها مع سلطات الاحتلال.
وأوضح حبيب في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن هناك عوامل متعددة ساهمت في الاندحار من القطاع، بما في ذلك الضغط الكبير الذي مارسته المقاومة على جيش الاحتلال والمستوطنين.
وأشار إلى أن أعمال المقاومة العديدة أربكت حسابات جيش الاحتلال وتسببت في خسائر كبيرة له، ما دفعه إلى الهروب من القطاع، مبينًا أن التكلفة الأمنية والسياسية العالية كانت من بين أسباب الاندحار.
وأوضح أن سلطات الاحتلال لم تتوقع أن يتحول القطاع إلى مركز مهم للمقاومة، بفضل دعم الحكومة في غزة واحتضان الشعب لها، وهذا أثر بشكل كبير على الاحتلال وجعله في حالة ترقب.
وعدّ حبيب أن حكومة غزة لعبت دورًا حاسمًا في دعم وتعزيز جهود المقاومة، عبر توفير الدعم والحماية والبيئة المناسبة لنمو قدراتها، بالمقارنة مع الحالة التي كانت عليها في ظل السلطة الفلسطينية التي كانت تفرض قيودًا على نشاط المقاومين.
واعتقد أن التصاعد الحالي في العمل المقاوم سيمهد الطريق لاندحار جيش الاحتلال من أجزاء من الضفة الغربية.