فلسطين أون لاين

تقرير موجات الانتحار بين جنود جيش الاحتلال تكشف عن تحدّيات نفسية مستمرة

...
جنود الاحتلال الإسرائيلي- أرشيف
غزة-رام الله/ يحيى اليعقوبي:

تكشف موجات الانتحار المتصاعدة بين جنود جيش الاحتلال عن مدى تأثير معركة "العصف المأكول" عام 2014 والصدمة النفسية التي عانوها في ساحات المواجهة أمام المقاتلين الفلسطينيين.

ويظهر أن تأثير هذه المعركة لا يزال يطارد الجنود على مدى تسع سنوات، ويؤثر كثيرًا في حالتهم النفسية ومعنوياتهم. وقد اختار عدد كبير منهم اللجوء إلى الانتحار وسيلة للهروب من آثار هذه الصدمة النفسية.

وتسجل الإحصائيات الإسرائيلية ارتفاعًا ملحوظًا في حالات الانتحار بين جنود الاحتلال خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2020، فقد وصلت حالات الانتحار إلى 89 جنديًا، وترتبط أغلب هذه الحالات بالفترات التدريبية والخدمة في المعسكرات.

وأظهرت الإحصاءات تسجيل 14 حالة انتحار بين جنود جيش الاحتلال خلال عام 2022، وهو أعلى معدَّل منذ خمس سنوات، ويرجع هذا التصاعد إلى تصاعد المقاومة في الضفة الغربية والتحديات النفسية التي يواجهها الجنود خلال أداء مهامهم في مواجهة المقاتلين.

عقيدة قتالية مفقودة

ورأى الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء المتقاعد رفيق أبو هاني أن جيش الاحتلال يفتقر لعقيدة قتالية قوية تمكنه من التعامل مع ضغوط المعارك ومخاطرها بشكل فعال.

ويعدُّ أن ازدياد حالات الانتحار بين الجنود واقعًا طبيعيًا نتيجة للتفكك الداخلي للجيش وعجزه عن الاستمرار في وجه صلابة المقاومة.

اقرأ أيضاً: ​انتحار جندي إسرائيلي جنوب قطاع غزة

وفي تصريح لصحيفة "فلسطين"، أشار أبو هاني إلى أن جيش الاحتلال يمتلك تجهيزات وعتادًا متطورًا وقدرات مالية وتكنولوجية تُعَدُّ الأفضل في الشرق الأوسط، ومع ذلك فإن غياب إرادة القتال يشكل نقطة ضعف كبيرة.

ويرى أن هذه العوامل المادية وحدها لن تكون كافية لضمان النجاح في المعارك، إذ يؤكد أن النصر في النهاية يعتمد على القوى البشرية والإرادة.

وأضاف أبو هاني أن ظاهرة الانتحار تعكس حالة من الاضطراب داخل جيش الاحتلال، تشمل الانتقادات للتجنيد الإجباري، ورفض الخدمة العسكرية، إضافة إلى تزايد الهجرة للخارج.

وفيما يتعلَّق بتأثير معركة "العصف المأكول" في جنود الجيش، أشار إلى أن الجنود عانوا تجارب قاسية وشهدوا أحداثًا مروعة لم يكونوا مستعدين لها، وعليه، لم يتمكنوا من التعامل مع شراسة المقاومة وتحدّيات القتال بشكل فعّال، ما أثّر سلبيًا في روحهم القتالية ونفسيتهم.

تأثير معركة "العصف المأكول" لم يقتصر فقط على حالات الانتحار، بل طال معركة "سيف القدس" التي اندلعت في مايو/ أيار 2021.

ويذكر أبو هاني أن جيش الاحتلال لم يتمكن من القتال بفاعلية على الأرض خلال هذه المعركة، واقتصر على المواجهة في السماء، ما يشير إلى فقدانه القدرة القتالية البرية.

وفي الأيام الأخيرة، شهد جيش الاحتلال حالتي انتحار، إذ أضرم الجندي أور دونيو النار في نفسه وانتهت حياته بسبب صدمة نفسية لازمته، وبعد 24 ساعة انتحر الجندي بار خلف بنفس الطريقة.

صدمة أكبر من العلاج

ويرجع الخبير العسكري يوسف الشرقاوي أسباب حالات الانتحار بين جنود جيش الاحتلال إلى عدم قناعتهم بضرورة المشاركة في المعارك.

ويشير إلى أن هذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها، فقد شهد الجيش الأمريكي موجات من الانتحار في أثناء حرب "فيتنام"، وكذلك الجيش الفرنسي خلال احتلال الجزائر.

ويضيف الشرقاوي لصحيفة "فلسطين"، أن عدم نجاح الاحتلال في تقديم الدعم والعلاج اللازم لجنوده يعود إلى تأثير الصدمة النفسية الكبيرة التي خلَّفتها مجريات المعارك وما شاهدوه فيها، وعليه، يعتقد الجنود أحيانًا أن الانتحار هو وسيلة للهروب من تأثيرات هذه الصدمة النفسية.

وقد أظهرت إحصائيات أيضا ارتفاعًا مستمرًا في طلبات الإعفاء من الخدمة العسكرية لأسباب نفسية واجتماعية، ففي عام 2015 تقدم 4.5% من الجنود بطلبات للإعفاء بسبب أوضاعهم النفسية، وارتفعت هذه النسبة إلى 8.5% في نهاية عام 2020.

وفي هذا السياق، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين أن جيش الاحتلال يواجه تمردًا داخليًا على الخدمة العسكرية، حيث يمتنع بعض الأفراد عن أداء الخدمة.

ويشير جبارين إلى أن حكومة الاحتلال لا تراقب هذه الحالات بجدية نظرًا لوجود فائض من المجنَّدين، ولكنها تلجأ للإجراءات القانونية ضد من يرفضون الخدمة.

وبالنسبة للتأثير النفسي للمعارك على الجنود، يشير جبارين إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية وصدماتها تؤدّي إلى تراكم تأثيرات نفسية على الجنود، وهو ما يؤثر في معنوياتهم وصحتهم النفسية.

ويُضيف جبارين لصحيفة "فلسطين" أن المعارك التي يخوضها جيش الاحتلال لها تأثير في الروح المعنوية للجنود على المدى البعيد، وأن حكومة الاحتلال تجد صعوبة في التعامل مع هذه الظاهرة وتقديم الدعم النفسي اللازم للجنود، ما يؤثر سلبيًا في قوتهم وقدرتهم على التحمّل خلال المعارك والمهام.