أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلية، قبل يومين عن المستوطن، إليشع يارد، أحد المتهمين الرئيسيين بإعدام الشهيد قصي معطان (19 عاماً) في قرية برقة قضاء رام الله، الجمعة الماضية، وهذه واحدة من عدة جرائم وصمت قضاء الاحتلال بالعنصرية والانحياز المطلق للمجرمين الصهاينة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم عدالته ونزاهته وكيله بمكيالين عندما يتعلق الأمر بقتل الفلسطيني “الضحية”، فيحكم ضده بسبب وبغير سبب، وفي المقابل يبرئ القاتل المجرم مهما كانت حجم الجريمة التي اقترفها، لكونه مستوطناً.
فهذه ليست المرة الأولى التي ينحاز فيها القضاء الصهيوني إلى جانب المستوطنين بتبرئتهم من جرائم قتل الفلسطينيين عمداً مع سبق الإصرار والترصد، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولعلنا نذكر بعض منها، مثلاً تم تبرئة الشرطي الصهيوني قاتل الشهيد إياد الحلاق، من ذوي الاحتياجات الخاصة، في وضح النهار في أثناء ذهابه إلى مدرسته، وبالرغم من أن الشهيد لم يكن يحمل معه ما يثير الشبهات المزعومة من القاتل المدجج بالسلاح، الذي أصر على قتله، وكذلك الجندي الصهيوني قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف، الذي أعدم بدم بارد بدون ذنب، رغم ذلك أُفرج عنه بقرار من نفتالي بينت ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي وغيرهما من كبار الضباط والمسؤولين بالعفو العام عنه، بأن لا يدخل السجن الفعلي ولو يوماً واحداً، وكذلك تم تبرئة المستوطنين الذين أحرقوا منزل عائلة دوابشة ليلاً وهم نائمون، وأيضاً تم تبرئة المستوطنين قتلة الشهيد الطفل أبو خضير، الذى أحرق حياً عام 2014، وكذلك تم تبرئة المستوطنين الذين أحرقوا منازل ومركبات المواطنين في حوارة منذ ثلاثة أشهر، وماذا عن جريمة اغتيال الطفل محمد الدرة عام 2000، وقضية الطفلة هدى غالية التى فقدت أفراد عائلتها جميعاً في إثر استهدافهم على شاطئ البحر في غزة عام 2006؟
وغيرهم الكثير والكثير وقائمة جرائم الصهاينة تطول، بسبب انحياز القضاء الصهيوني لهؤلاء المجرمين ما شجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني.
أجل إن قضاء الاحتلال بكل محاكمه المدنية والعسكرية في حد ذاته قضاء صوري يكيل بمكيالين، فهو يصدر أحكاماً عالية تصل إلى حد “المؤبدات” على كل فلسطيني نفذ عملية فدائية ضد الصهاينة، بينما لا يفعل بالمثل مع القتلة الصهاينة سواء كانوا عسكريين أو مستوطنين، بل يعمل ما بوسعه لتبرئتهم من التهم المنسوبة اليهم والإفراج عنهم سريعاً، حتى أنه في كل الحالات -سابقة الذكر- من الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين لم يطبق على الأقل القانون الإسرائيلي، الذي يحدد عقوبة تصل إلى السجن 18 عاماً لكل من يدان بالقتل غير العمد، فماذا ستكون العقوبة لو كانت الجريمة متعمدة كما هو حال جريمة المستوطن “يارد” الذي قتل الشهيد معطان بدم بارد؟ فكل الأدلة القاطعة تؤكد أنه قتل عن قصد وإصرار، كما أثبتت ذلك التسجيلات المصورة، وكما أفاد شهود عيان كانوا في المكان في أثناء ارتكاب الجريمة، وليس أدل على ذلك من التحقيقات الأولية التي أجرتها شرطة ونيابة الاحتلال فأثبتت إدانته ومعه عصابة من المستوطنين الذين ينتمون لحزب ما سمي بـ وزير أمن الاحتلال، المتطرف إيتمار بن غفير، الذي ماطل في قضيته؛ من أجل تسريع الإفراج عنه دون إخضاعه للتحقيق، بل كرمه ومنحه "وسام الشرف” بدلاً من تقديمه للعدالة.
إن تواطؤ الاحتلال وتستر قضائه على جرائم المستوطنين هو الذي شجعهم على الغل في الدم الفلسطيني، وارتكاب الجرائم تلو الجرائم في الضفة المحتلة، فلم يقف الحد عند جرائم القتل، بل إن المستوطنين يقومون في كل يوم بالاعتداء على المواطنين، فتارة يقومون بحرق وتجريف مزارعهم وبيوتهم وممتلكاتهم، وتارة أخرى بسرقة الأراضي وإقامة بؤر استيطانية عليها بجوار مساكن الفلسطينيين لمحاصرتهم وإغلاق الطرق والمنافذ، بهدف التضييق عليهم وخنقهم أو عزلهم، للضغط عليهم وإجبارهم على التهجير، وأن المستوطن القاتل "يارد"، هو أحد النماذج لهذه السياسة، فهو يعيش في بؤرة "رمات ميغرون" المقامة بالقوة على أراضٍ فلسطينية تقع بين رام الله والقدس، بعلم حكومة الاحتلال وقضائها المسيس، الذي من المفترض أن يصدر أحكاماً بإزالتها لعدم شرعيتها ومحاكمة المستوطنين لما يشكلونه من خطر على المواطنين وممتلكاتهم، بل إن الاحتلال يعينهم على ذلك.
فقضاء الاحتلال، وكما عهدناه في أكثر من قضية وواقعة، لم يكن يوماً منصفاً، بل يميل إلى إملاءات الأحزاب الصهيونية المتنفذة في الحكومة والأوامر العسكرية، إذ يخلق المبررات والمزاعم المكشوفة لتبرئة القتلة من جنود وشرطة الاحتلال الذين يتم تعليمهم وتدريبهم والإيعاز لهم بقتل الفلسطيني الصغير قبل الكبير والمريض قبل المعافى والشبان والشابات وكبار السن والأطفال والنساء، الذين قتلوا على يد قوات الاحتلال والمستوطنين على مدار عقود دون وازع ضميري أو أخلاقي ولا إنساني، وإن كل ما يقال بأن جيش الاحتلال أخلاقي، لا يمت إلى الواقع بصلة، لأنه ومعه المحاكم الإسرائيلية والقضاء برمته يمثلون منظومة عنصرية متكاملة منحازة للصهاينة كلياً، تشجعه على قتل الفلسطيني دون حساب أو عقاب، وكما يقولون: “من أمن العقاب أساء الأدب”، وهذا هو حال قضاء الاحتلال.
الحقيقة أن جريمة القضاء الإسرائيلي ليست أقل من جرائم القتل التي يمارسها جيش الاحتلال وغلاة المستوطنين، بل أشد خطورة، لكونها تقدم المشروعية لتلك الجرائم بإزالتها صفة التجريم والعقوبة عن القتلة، وما حدث في أروقة المحكمة التي انعقدت قبل أيام للنظر في إدانة قاتل الشهيد معطان هو مجرد جريمة مكتملة الأركان شارك فيها القضاء إلى جانب الجناة، وما حدث يؤكد عدم أهلية وجدية محاكم الاحتلال في إحقاق العدل، فلا شك أن هيئةً تنحاز للاحتلال لا يحق لها تمثيل العدالة، وهل يحاكم المجرم نفسه؟ لذا فكما أن المقاومة في الضفة لم تسكت على جرائم الاحتلال والمستوطنين، فعلى السلطة وقف التنسيق الأمني معه وتوفير الحماية لشعبها، والعمل على نقل القضية إلى محكمة الجنايات الدولية، بإثبات تورط حكومة وقضاء الاحتلال معاً في التغطية على هذه الجريمة البشعة ومساندة مرتكبيها وتوفير الحماية القانونية لهم.