إذا استشعرت حيوانات الغابة بالخطر الداهم، تلجأ إلى نفش شعرها، لتبدو أكبر حجمًا، وتبرز أنيابها، لتخيف عدوها، وأحسب أن وزير الحرب الصهيوني، وغيره من القادة السياسيين والعسكريين، يشبهون هذه الحيوانات المفترسة، وهي تستعرض قدراتها القتالية، وجاهزيتها للمواجهة، وتدلي بالتصريحات النارية عن استعدادهم لحرب متعددة الجبهات، وعن أسلحتهم التدميرية، حتى وصل الجنون بوزير الحرب يوآف جالانت أن يهدد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، ومسح غزة عن الخارطة، ونسي الإرهابي أن عودة لبنان إلى العصر الحجري، تعني زوال (إسرائيل) عن الخريطة.
تلويح القيادة العسكرية الإسرائيلية بحرب تدميرية يعكس خوفًا حقيقيًّا من المجهول، ويعكس جهلًا ًاستخباريًا بما يخبئه رجال غزة ولبنان من مفاجآت للجيش الإسرائيلي، فقد تعوّدت (إسرائيل) على خوض الحروب المكشوفة، والمخترقة، وتعوّد الجيش الإسرائيلي على الحروب السهلة على جبهة واحدة، فإن فرغ منها، استدار إلى الجبهة الأخرى، ودأب الجيش الإسرائيلي على وضع خططه العسكرية بناءً على المعلومات التي يقدمها له جهاز الموساد عن الجبهات الخارجية، والمعلومات التي يقدمها له جهاز الشاباك عن الجبهات الداخلية، والمعلومات العسكرية الهامة التي تقدمها الأجهزة الاستخبارية، ولم تقدم (إسرائيل) على حرب، إلا وقد توفرت لدى القيادة العسكرية تفاصيل التفاصيل عن الحالة العسكرية للطرف الآخر، وتفاصيل التفاصيل عن مواضع الضعف، ومكمن القوة، مع توظيف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خبرتها وتجربتها في اختراق الحصون الأمنية للجبهات العربية من خلال العملاء والمندسين.
مواصلة التصريحات العسكرية الإسرائيلية النارية عن المواجهة القادمة، تعكس حالة من الضعف والتشتت، بل والتردد في اتخاذ قرار الحرب، رغم توفر كل عوامل الاستفزاز والتحريض للجيش الإسرائيلي، والتي تجبره على اتخاذ خطوات عملية ضد الأعداء، ولكنه تلكأ، وتراجع في أكثر من موضع، ولن يكون آخرها ادعاء قيادة الجيش الإسرائيلي، أن خيمة حزب الله في مزارع شبعا لا تشكل تهديدًا أمنيًا لإسرائيل، في خطوة عسكرية، تعكس تراجعًا إسرائيليًا غير مألوف، بل واستعدادًا إسرائيليًا لإعادة ترسيم الحدود مع لبنان.
اقرأ أيضًا: لماذا تخشى (إسرائيل) مواجهة متعددة الساحات؟
اقرأ أيضًا: إضاءة تفصيلية على التشكيلات العسكرية في "الجيش" الإسرائيلي (1 – 2)
فما هي المستجدات الميدانية التي أرعبت الجيش الإسرائيلي:
أولًا: وحدة ساحات المواجهة، فقد أشارت جملة التقارير الأمنية الإسرائيلية إلى أن الحرب القادمة لن تكون كسابقاتها، فالحرب القادمة ستجتمع جيوش الفلسطينيين مع اللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين، وقد تتوسع حتى إيران، وفي هذه الحالة فالحرب ليست محدودة المكان، وليست محصورة في زمان، وهذا ما يتعارض مع الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية التي تقوم على سرعة الحسم، بعد نقل المعركة إلى داخل حدود الدول الأخرى.
ثانيًا: ستكون الجبهة الداخلية في (إسرائيل) جزءًا من أرض المعركة، وقد أشار إلى ذلك أكثر من مسؤول أمني، حيث أكدوا أن المدن الإسرائيلية ستعيش تحت رحمة آلاف الصواريخ، وأن البنية التحتية للدولة ستنهار لفترات طويلة، وستتعرض المواقع العسكرية الحساسة للضرب والتخريب، وقد تقطع أيدي (إسرائيل) الأمنية الضاربة، لتعيش (إسرائيل) حالة من انعدام الوزن، يؤثر على وجودها كدولة.
ثالثًا: سينتقل الجيش الإسرائيلي من حالة الهجوم، ونقل المعركة إلى أرض العدو، إلى حالة الدفاع عن المدن، والمحاربة داخل تجمعات الصهاينة، حيث يتخوف قادة الكيان من اقتحام رجال لبنان، ورجال غزة الحدود، ليدخلوا عليهم الباب، ويسيطروا على مساحات شاسعة من أرض فلسطين المغتصبة 1948
رابعًا: وما خفي أعظم، فقد دللت تجربة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أنها صاحبة مبادرة، ولها القدرة على المفاجئة، وفي كل مواجهة قدمت الإبداع النوعي، ولها أذرع تنسيق وتعاون وتمويل في المنطقة، لا تعرف عنها المخابرات الإسرائيلية شيئا، وأن للمقاومة في غزة أساليب عمل تربك حسابات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأن خلف الصمت المخيف والواثق الذي تمارسه قيادة غزة، يكمن بحر هادر من الموج الكاسح، وعواصف عاتية من القدرة على تنفيذ عمليات نوعية، لها انعكاساتها على مستقبل الصراع في المنطقة التي ستغدو كلها عربية.