لم يفش غل الصهاينة استشهاد القسامي المشتبك عبد الفتاح خروشة منفذ عملية حوارة، الذي قتل وجرح خلالها عددًا من المستوطنين خلال عمليته الفدائية في مارس الماضي، ولم تكتفِ قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتله، بل أقدمت أمس الثلاثاء على تفجير منزله في مخيم عسكر شرق نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سياسة العقاب الجماعي، ويعكس إفلاس قادته وحكومته في مواجهة شعبنا ومقاومته الذين مرغوا أنوفهم في التراب، وما حالة التخبط التي يعيشها الكيان الاسرائيلي فهو نابع من حالة الفشل التام إزاء سعيه لإنهاء المقاومة، ونتيجةً لذلك، ازدياد ضعف الکيان في الصراع مع الفلسطينيين وتضرر قوة "الردع" التي يتباهى بها، وكذلك اهتزاز صورة الجندي الذي لا يقهر، الذي وقع في أسر المقاومة لمرات عديدة.
إن هدم الاحتلال بيوت الفلسطينيين، ما هو إلا استكمال لسياسة الفصل العنصري، ظنًّا أن مثل هذه الأساليب التي هي تطهير عرقي يمكنها أن تركع الشعب الفلسطيني ويستسلم للأمر الواقع تحت وطأة الاحتلال بالتعايش معه، في ظل انتهاكاته البشعة التي ترتقي لمستوى جرائم حرب، الأمر الذي يؤكد أن مثل هذه الانتهاكات ستزيد حدة العداء وإطالة أمد الصراع الذي سيدفع ثمنه أيضًا الاحتلال ومستوطنوه الذين يعربدون ويعيثون فسادًا في الضفة تحت حراسة وحماية قوات الاحتلال.
اقرأ أيضًا: من يتصدى لعقوبة هدم البيوت وإبعاد أصحابها؟
اقرأ أيضًا: هدم البيوت وكيّ الوهم الصهيوني
الاحتلال لم يسأل نفسه؛ لماذا يدفع المقاومون بمزيد من العمليات الفدائية؟ فلا يعقل أن يستمر الاحتلال والاستيطان ويبقى الشعب الفلسطيني يلتزم الصمت على الجرائم الصهيونية بحقه، فهو يقوم ببسالة بكل ما يملك من إمكانات ولو كانت بسيطة أو محدودة، وأن الدفع بالعمليات الفدائية في الضفة والداخل المحتل، جعل المعادلات العسكرية والأمنية أكثر تعقيدًا وخطورةً على الصهاينة، خاصة عندما تقع هذه العمليات في مناطق حساسة، أو تحمل معها عنصر المفاجأة كعملية الشهيد كامل أبو بكر في (تل أبيب)، وفي الواقع، تكمل هاتان الطريقتان بعضهما البعض فتحدث هلعًا وفزعًا، وقد تذكرهم بشبح العمليات الاستشهادية التي ضربت عمق الكيان وهزت شوارعه بتفجيرات الحافلات التي استمرت لسنوات طويلة تواصلت بين الانتفاضتين، أي الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية، وإن كانت هبة الضفة لا تملك الشروط الموضوعية الكافية للتحول أو التطور إلى أي من النموذجين للانتفاضتين الكبيرتين، ولكن الواضح أن هذه المرة لم تكن هبة عابرة، ولا قفزة في فراغ، بل إنها مقاومة منطلقة في طول وعرض الضفة المحتلة، و ليس من السهل إخمادها لما تتمتع به من إسناد فصائلي وإحاطة شعبية عارمة، وكما لا يمكن الالتفاف عليها أو تكبيلها بالتعاون الأمني مهما بلغ مداه ومهما تعاظمت قواته من المرتزقة والمتآمرين فيما كشف عنه حديثًا الغرفة الأمنية للعمليات المشتركة بين السلطة والاحتلال لاجتثاث المقاومة.
يحاول الاحتلال تعويض ضعفه وفشله الأمني بشن هجمات واجتياحات في الضفة يتخللها هدم منازل المواطنين والضغط عليهم، بهدف لي ذراع المقاومة، للتغطية على اخفاقاته، وهو ما أكدته وسائل إعلام إسرائيلية، أن عملية إطلاق النار الأخيرة في (تل أبيب) بددت الإعلان عن تغيير قواعد المعادلة بعد عملية الجيش في جنين، فقال رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة (تل أبيب) لموقع "القناة 12" الإسرائيلي، ميخال ميلشتاين، إنّ "الهدوء النسبي الذي لم يدُم طويلًا في الضفة منذ انتهاء عملية المنزل والحديقة قبل نحو شهر، تحطّم بشكل غير مفاجئ في نهاية الأسبوع"؛ وتابع ميلشتاين أنّ "الأحداث الدامية التي وقعت في اليومين الماضيين بدّدت الإعلانات عن تغيير قواعد المعادلة بعد العملية، وأثبتت أن المشاكل الأساسية في الضفة بقيت على ما هي عليه، وأن الحلول التي وضعت لها جزئية، ولا تُوقف السير نحو واقع يحمل في طياته اتجاهًا نحو تدهور مستمر".
نستخلص من كل هذا أن خطط الاحتلال أصبحت مكشوفة ومفضوحة للعامة، مهما تمادى في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، والمصر على حقوقه المشروعة بإنهاء الاحتلال وتحرير أرضه ووطنه، وبصموده لن يكسر إرادته ولن يجهض مقاومته، ولن يوقف العمليات البطولية بل سيشكل دافعًا لتنفيذ المزيد منها، لطالما سياسة القتل والهدم والتهويد والاعتقالات مستمرة، وأن تمادي الاحتلال في إجراءاته وانتهاكاته لن يقود إلا إلى تأجيج الصراع وتعزيز المقاومة.