كانت هناء المصري من رام الله، في الثالثة عشر من عمرها حينما رافقت أخيها الشغوف بتعلم فنون التصوير الفوتوغرافي، الذي دعمها لدخول هذا العالم حتى وافته المنية، أما هي فلم تتخلَّ عن كاميراته القديمة، واحتفظت بها لتواصل حلم أخيها بأن تصبح أول مصورة صمّاء في فلسطين.
في الرابعة من عمرها أصيبت هناء بالصمم في إثر ارتفاع درجة حرارة جسمها، اكتشف والداها علّة السمع لديها صدفة، حينما كانا يناديان عليها دون أن تجيب ظنًا منهما أنها تتعمد التجاهل، لتبدأ مرحلة البحث عن العلاج علّها تستعيد نعمة السمع، وبالرغم من إجرائها العديد من العمليات الجراحية، لكنها لم تستطع أن تسمع صوتهما مرة أخرى.
استمرت هناء (30 عامًا) في مواجهة المجتمع، وشق طريقها نحو تحقيق حلمها بأن تصبح مصورة محترفة، وحينما التحقت بمدرسة مدرسة الصم التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني في رام الله، طلبت من مديرتها الالتحاق بدورة لتصوير وكان لها ما أرادت واستطاعت تعلم أصول المهنة في دورة مكثفة لمدة ستة أشهر.
وبعدها سيطر تحقيق حلم احتراف التصوير على فكر هناء، دخلت في صراع مع والدها، قائلة لـ"فلسطين" عبر تطبيق التواصل الاجتماعي لشبكة "فيسبوك": "أردت ترك المدرسة والتفرغ للتصوير، لأني لم أتوقع النجاح في التوجيهي، ولكنّ والدي رفض رفضًا قطعيًا، وأرغمَني على الالتحاق بالثانوية العامة، على أن أحقق حلمي في الجامعة".
وتتابع: "هنا بدأت مسيرتي في البحث عن جامعة تتقبلني كصماء، كان حلمي يتجه نحو جامعة بيرزيت لدراسة الإعلام، ولكني صدمت بأنها لا تستقبل الصمّ".
دارت هناء بشهادة التوجيهي من جامعة إلى أخرى، وما أن تصل ويعرفوا بأنها صمّاء يقفل باب التسجيل في وجهها، وفي آخر رحلة البحث تلك عثرت على مقعدها لدى جامعة فلسطين التقنية، فكانت أول صماء تدرس الصحافة والإعلام.
وتردف: "دراسة دبلوم الإعلام كان تحديًا بالنسبة لي، أخفقت في بعض المساقات، ولكني تمكنت من تجاوزها بإصراري على النجاح، ودعم والدتي التي كانت تدفعني نحو تحقيق حلمي دون أن تقيدني بخوفها، كما يفعل أبي في بعض الأحيان".
تخرجت هناء ولم تتمكن من الحصول على فرصة عمل مناسبة، فاتبعت شغفها واشترت كاميرا قادرة على منحها صورًا بجودة عالية، ولكن واجهت معضلة كيف لها أن تقنع الناس بأن لها عين ساحرة في التقاط الصور؟
في البداية اضطرت هناء لأن تخفي عن الناس إشكالية السمع لديها، لأنهم سيبنون صورة ذهنية بعدم قدرتها على فهم طلباتها، ولكن عندما يرون عملها سيؤمنون ببراعتها يتوجهون إليها لتوثّق لهم أجمل اللحظات.
وللمُضي في هذا الطريق، رافقتها شقيقتها "رؤيا" لتكسر عنها حاجز الخشية من التعامل مع الناس، فكانت "رؤيا" تتولى ترجمة إشاراتها للزبائن، وتحميها من استغلال البعض لإعاقتها، وتجنبها أي إحراج محتمل، وكان بعض الأشخاص يكتبون طلباتهم على ورقة لتسهيل عملية التواصل.
وتنفذ هناء حاليًا جلسات تصوير فردية وجماعية، إضافة إلى تصوير الأفراح في الصالات التي واجهت بها معارضة والدها لاضطرارها التأخر ليلًا وخشيته على حياتها، "أما والدتي فكانت على عكسه تمامًا تريد أن تصقل شخصيتي لتصبح أكثر قوة، وأبني ذاتي داخل المجتمع".
وتطمح هناء في تأسيس استديو خاص بها ليكون مصدر دخل آمن لها في المستقبل، وتحلم بأن تلف العالم بكاميراتِها وأن تنشِئ قاموسًا مصورًا لثقافة الناس المعيشية والاجتماعية.