فلسطين أون لاين

تقرير "معرض برلين".. آلة زمن تسافر بزائرها إلى ماضٍ بعيد

...
مشهد من معرض برلين في نابلس
نابلس/ غزة - أميرة غطاس:

بين أزقة شوارع نابلس، يستوقفك معرضٌ تفوح منه رائحة عبق التاريخ تأخذ بالمار على جناحيها إلى ماضٍ بعيد وتاريخ قديم يشبه آلة الزمن التي تسافر بزائرها من العالم الحاضر إلى عالم ما قبل الألف سنة.

حكايا فريدة

فقد قاد الشغف الشاب محمد أبو حبيس من نابلس، إلى افتتاح معرض برلين، الذي يضم قطعًا تراثية ونادرة تذهب بلبّ رائيها، لتحمل كل قطعة بين ثناياها حكايةً فريدة، تعكس مواهب الفنانين العظماء وأعمالهم الإبداعية. 

يقول أبو حبيس (27 عامًا) لـ"فلسطين": "منذ عام 2011، اكتشفتُ شغفي بجمع الأدوات الكلاسيكية القديمة، بدأت بالتنبيش بين أرفف المحال القديمة علّي أشبع حبي ذاك، فحصلتُ على العديد من تراث الحضارات القديمة، جمعتها لكنني لم أستطع فتح محلّ بسبب تكاليفه الكثيرة التي لم أكن أملكها".

وفي عام 2016، شرع في بيع المجوهرات والأحجار الكريمة التي جمعها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فوصلت منتجاته إلى رام الله والقدس وغزة وطافت أنحاء فلسطين كافة.

ويكمل: "بعد خمس سنوات من البيع عن بعد، افتتحتُ معرضي الأول في بلدة حوارة قضاء نابلس، لكني اضطررتُ إلى إغلاقه حينها بسبب عدم قدرته على استيراد القطع التراثية من دول العالم الأخرى.

شغوفٌ بالتراث

ورغم العقبات فإن أبو حبيس لم ييئس، واستمر في إطاعة قلبه الشغوف بحب التراث القديم، سائرًا في طرق مليئة بالمعيقات، فتواصل مع المهتمين بالتراث من كل دول العالم، محاولًا افتتاح معرض هو الأول من نوعه في فلسطين.

يقول أبو حبيس: "في تلك السنوات، قرأتُ كثيرًا في كتب التاريخ، وتعرفتُ على الكثير من التراث العالمي، تعلّمتُ اللغة الإنجليزية، وأصبح لديّ خبرة في التفريق بين القطع الأثرية الأصلية والمزيفة، وقبل شهرٍ افتتحتُ معرضي في مدينة نابلس".

ويتابع: لم تكن طريقي ممهدة بالورود، فالكثير من المرات تكبدتُ خسائر في التحف التي أبيعها بسبب سوء الشحن أو التزييف وعدم مصداقية الموردين، لكن الحمد لله باتت خبرتي تنقذني من ذلك كله، إلى جانب صديقيّ اللذين يشاركاني في المعرض.

قطعٌ نادرة

وعن أبرز القطع الأثرية في المعرض، يشير إلى أنه قبل أيام تمكّن من الحصول على ماكينة تحميض صور من ألمانيا يعود تاريخها إلى عام 1890 وهي تعمل جيدًا دون أن يكون فيها أي عطب.

ويضمّ المعرض تراثًا عالميًا من كل دول العالم، وقطع نادرة تدخل فلسطين لأول مرة تمَّ جمعها من كل أنحاء العالم، لتُقدِّم مشهدًا لا يُنسى عن التراث الإنساني العظيم.

فبدخولك المعرض، تقابلك طاولة يتزين سطحها بتحفةٍ أثرية بوردٍ زهري اللون، وفي الجانب الأيمن خزانة كبيرة تترتب فيها الكؤوس وأضواء الكازٍ القديمة بشكل جميل، إضافة إلى المجسمات التي يزيد عمر الواحدة منها عن 100 سنة، وتستند إلى خزانة التحف طاولة خشبية قديمة.

أما الجانب الأيسر ففيه خزانة أخرى، فيها كل شيء تتوقعه أو ربما لا تتوقعه، مذياع قديم وأشرطة، كاميرات بسيطة بإصدارات قديمة جدًا، حُلي وسلاسل فضية ومسابح، أباريق قهوة نحاسية، وأدوات خياطة صنعت في كاليفورنيا.

وعلى أرضية المعرض، تمكث بتلقائية آلات موسيقية قديمة، وتعليقة حائط خشبية مطلية بماء الذهب، تعود إلى بداية القرن الثامن عشر، وأحجارٌ كريمة من كل الأنواع والأشكال بدءًا من الحجر العقيق مرورًا بـ الألماس وليس بالياقوت، وتسلب لبّك لوحاتٌ تنبع ألوانها بالحكايا.

اكتشاف التراث

وبـ"تلهفٍ" لرؤية تلك القطع الأثرية يُقبل الناس على محل أبو حبيس،" فلا أنسى اليوم الذي جاء إليه زبون مكث أكثر من ثلاث ساعات بين زوايا المعرض يتأملها ويبحث في تاريخها، ويسير بين جنبات تفاصيلها".

ويقول: "ردة الفعل تلك، رأيتها في كثير من الزوّار، حتى أن بعضهم يخبرني بأن المعرض كأنه يناديهم لاكتشاف التراث الجميل، وتتجلى الدهشة على وجوههم حين تتعانق عيونهم مع الجمال الأثري المُتجسد أمامهم".

قد نتساءل ما هي رسالته الحقيقية؟ فيجيب: "إن رسالتي هي تجميع القطع التراثية وتوثيقها للأجيال القادمة، إضافة إلى تلهفي لاكتشاف كل جوانب الفن والتراث من حول العالم وتقديمها بطريقة مختلفة. 

وتتفاوت أسعار القطع الأثرية بحسب قيمتها، ومدى جودتها، فقد عرض أبو حبيس قبل أيام على صفحته على "فيسبوك" -مثلاً- صليب قبطي مصنوع من الذهب بسعر 850 شيكلاً، ويشير إلى أن هذا هو عمله الوحيد "كوني لم أحصل على الشهادة الجامعية فليس لديّ وظيفة، فهو مورد رزق يعيلني ويكفيني".

وتُعتبر مشكلة شحن القطع الأثرية من الدول الأخرى هي المشكلة الأكبر بالنسبة له، "من المحال أن أحصل على القطع من أصحاب متاحف الآثار في الخارج مباشرة كوني فلسطينيًّا، فأنا أتواصل مع شخص في الخارج هو من يشتري القطع وشحنها لي عبر بحر يافا".

ويختتم: حلمي أن يكبر هذا المعرض، ويصبح الأضخم على مستوى العالم، وأن يأتي الزوار من كل مكان ليعرفوا أن فلسطين تضم كنوزًا أثرية، فالتراث ليس مجرَّد مظاهر سطحية تزول بمرور الزمن، بل هو جوهر وجود الإنسان وأصالته الفكرية.