نظريًا وللوهلة الأولى تبدو فكرة قيام الجيش في كيان العدو بالانقلاب على حكومة نتنياهو الحالية، فكرة مستبعدة وجنونية، وغير قابلة للتطبيق، والحقيقة أن الأزمة الوجودية غير المسبوقة التي يعيشها الكيان اليوم، لا حل لها إلا ضمن عدة سيناريوهات لعل أهمها ما يلي:
الأول ـ أن يعود مجرمو فتيان التلال والكهانيون القتلة (بقيادة سموتريتش وبن غفير) عن غيهم، ويكفوا عن ممارسة جنونهم، بالتوقف عن الضغط على نتنياهو، ودفعه للسير حتى نهاية الطريق، في تحويل الكيان إلى "دولة" شريعة بنسخة داعشية صهيونية يهودية، ولا يبدو أن مثل هذا الخيار يمتلك ولو واحدا بالمائة من الاحتمالات، فهؤلاء القتلة المدانون بجرائم حتى وفق قانون الاحتلال، غدوا كالقط الذي يلعق المبرد، ظانًا أنه يلعق دم صيد ثمين، وهو في الحقيقة يلعق دمه، وهم ماضون كما يبدو في تنفيذ خطتهم حتى الرمق الأخير.
اقرأ أيضا: الاقتصاد الإسرائيلي يدفع ثمن عناد نتنياهو
وهي خطة قد لا يدرك تفاصيلها الكثيرون، فبالنسبة للمجرم بن غفير، هو يعتقد وفق عقيدته المسيحانية المجنونة، أن مهمته تنصب على صب الزيت على النار كلما خف أوارها، لأن هذا يقرب حصول المواجهة الكبرى وقيام معركة هارمجدون حيث ينتصر اليهود على أعدائهم (من الفلسطينيين والعرب أيضا!)، ويحولونهم إلى عبيد وخدم لهم، مع ما يرافق هذا من هدم الأقصى الشريف وظهور "المسيخ" خاصتهم، الذي سينتصر لليهود، ولمن لا يصدق مثل هذا الأمر عليه أن يبحث في الأيديولوجيا الحقيقية التي تحرك هذا المعتوه.
أما صاحبه سموتريتش فهو لديه تصور أكثر تفصيلا لإحلال "السلام" في "أرض (إسرائيل) " حيث وضع خطة يزعم فيها أنها ستنهي الصراع الفلسطيني الصهيوني، ويخير فيها الفلسطينيين بين العيش ضمن دولة يهودية بحقوق منقوصة أو الهجرة أو القتل لمن أصر على المقاومة المسلحة، وهو اليوم بدأ عمليا بتطبيق خطته على الأرض، بعد أن نصبه نتنياهو "ملكا" غير متوج على الضفة الغربية.
خطة هذا المجرم نشرها في مجلة هاشيولوش تحت عنوان "خطة (إسرائيل) الحاسمة"، معتبرا أن حل الدولتين وصل إلى طريق مسدود وحان الوقت "لكسر النموذج" و"إيجاد الطريقة المناسبة للخروج من هذه الحلقة التي لا تنتهي" كما يقول، وتحقيق هذا الهدف يتطلب كما يقول وكما بدأ على الأرض "الأفعال في المقام الأول"، عبر تطبيق السيادة الإسرائيلية الكاملة على مناطق الضفة الغربية، وإنهاء النزاع بالاستيطان على شكل إنشاء مدن ومستوطنات جديدة في عمق المنطقة وجلب مئات الآلاف من المستوطنين الإضافيين للعيش فيها معتبرا أن هذا "سيوضح للجميع أن الواقع في الضفة الغربية لا رجوع فيه، وأن (إسرائيل) موجودة لتبقى، وأن الحلم العربي بدولة في الضفة لم يعد قابلا
أما عن الفلسطينيين فيرى سموتريتش أن أمامهم بديلين أساسيين: الذين يقبلون بالتخلي عن تطلعاتهم القومية يمكنهم البقاء والعيش كأفراد في "الدولة اليهودية" والتمتع بكل الفوائد التي جلبتها "الدولة اليهودية" إلى الأرض المحتلة(!) والذين يختارون عدم التخلي عن طموحاتهم الوطنية سيحصلون على مساعدات للهجرة إلى إحدى الدول العديدة التي يدرك فيها العرب طموحاتهم الوطنية، أو إلى أي وجهة أخرى في العالم.
ويتابع: "لن يتبنى الجميع أحد هذين الخيارين. سيكون هناك من سيواصل اختيار خيار آخر" في إشارة إلى مقاومة الاحتلال، مشددا على أنه سيتم التعامل معهم من قبل قوات الأمن بيد قوية وفي ظل ظروف أكثر سهولة للقيام بذلك!
وزعم سموتريتش أن هذه الخطة هي "الأكثر عدالة وأخلاقية بكل المقاييس - التاريخية والصهيونية واليهودية"، وهي الخيار الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى الهدوء والسلام والتعايش الحقيقي!
الخيار الثاني ـ أن يتفق طرفا الصراع: الحكومة ومن يناصرها، والمعارضة وجمهورها المنتشر في الساحات محتجا بالآلاف على حل وسط، يعيد الأمور إلى نصابها، ويخرج الكيان من أزمته الخانقة، وهو خيار يبدو حتى الآن أقرب إلى الاستحالة، فكل المؤشرات تقول أن نتنياهو آثر الخلاص الشخصي على خلاص "الدولة" التي يقودها، ففي التصويت الأخير في برلمان العدو (الكنيست) على إلغاء شرط المعقولية في قرارات المحكمة العليا، وصف أحد المحللين المشهد بالقول: نتنياهو أنقذ نفسه ودمر (إسرائيل) ، ولا يبدو في الأفق أي احتمال لعودة أي من الطرفين عن خيارهما، أو التنازل عن موقفهما، علما بأن الصدوع التي شرخت التجمع الصهيوني في فلسطين بلغت بالوصف العربي حد اتساع الخرق على الراتق!
وبالجملة فهذا الخيار حتى الآن يبدو أنه بلا رصيد معقول من التطبيق على الأرض.
أما الخيار الأخير، فهو أن يتجه الكيان إلى خيار الحرب الأهلية، وهو خيار حسب آخر استطلاع للرأي لم يعد مستحيلا، كما كان سابقا، حيث أظهر استطلاع لصحيفة "معاريف" أجراه معهد لزار للبحوث بان 58 في المئة من مستوطني الكيان يخشون من حرب أهلية، وهو خيار فيما أظن لن تسمح بوقوعه "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة أو في الكيان نفسه، وبديله هو تدبير انقلاب "عسكري" بصورة مستحدثة، قد تتخذ شكل تدبير حادثة موت ما لنتيناهو، هو لوحده أو لآخرين من معسكر الصهيونية الدينية، يمهد الأمر لإجراء انتخابات برلمانية ستكون نتيجتها بالتأكيد حسب آخر استطلاعات الرأي لصالح المعارضة اللايمينية ولا أقول اليسارية، لأن اليسار مات وتم دفنه في الكيان منذ سنوات بعيدة!
هذه هي الخيارات الموضوعة على الطاولة اليوم، وربما هناك خيارات أخرى، لم تخطر بالبال، قد تقع في أي وقت، وكلها خيارات من شأنها أن تعيد رسم خارطة الأحداث في المنطقة، ومن غرائب الأمور وعجائبها، أن الجانب العربي يتخذ موقف المتفرج على الحدث الذي يغلي في الكيان، وما من إشارة على الحياة في هذا الجانب سوى المقاومة الفلسطينية التي ربما تكون "بيضة القبان" التي ستسهم في ترجيح خيار على آخر.