فلسطين أون لاين

مخيم عين الحلوة في عين العاصفة

الاشتباكات المسلحة التي شهدها مخيم عين الحلوة في لبنان على مدار الأيام الماضية، هي الأعنف منذ سنوات، التي تدور رحاها في جميع أنحاء المخيم، وقد أسفرت عن عدد من القتلى والمصابين وتدمير للبيوت والممتلكات، مما يهدد حياة الفلسطينيين ومستقبلهم، بل إن هذه الأحداث باتت عبئًا يرهق كاهل سكان المخيم، الذين يعانون أصلًا من ظروف اقتصادية وسياسية صعبة للغاية، وكذا المخيمات الفلسطينية المجاورة، إذ يعد مخيم عين الحلوة "عاصمة الشتات الفلسطيني"، من أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولعل أولى الأسباب التي أدت إلى التدهور الأمني في المخيم، هي عدم إيجاد آفاق مستقبلية للاجئين الفلسطينيين بمحاصرتهم داخل المخيم لسنوات طويلة وعدم التفريج عن كرباتهم، مما عمل على خنقه اقتصاديًا، نظرًا لعدم وجود وظائف وأشغال تلبي طموحات الشباب وغيرهم في المخيم، كما هو معروف أنه يحظر على الفلسطيني ممارسة ما يزيد على 70 مهنة في لبنان، إلا بتصريح رسمي من السلطات اللبنانية، غالبًا ما يصعب الحصول عليه إلا في أضيق الظروف والمناسبات، وباستثناءات نادرة، مما عمل على مضاعفة الضغوطات النفسية نتيجة سوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسكانية التي يعيشها سكان المخيم، وكان لها دور كبير في تأجيج الصراعات، فالفقر والبطالة تنتشران انتشارًا كبيرًا في المخيم، الذي لا تزيد مساحته عن الكيلومترين، وهو من أكثر المخيمات اكتظاظًا بالسكان، بعد أن نزح إليه آلاف من فلسطينيي سوريا، ومن المعلوم أن المخيم لا يخضع لسلطة الإدارات اللبنانية الرسمية، والمفترض أن تديره منظمة التحرير بحسب اتفاقية القاهرة في عام 1969، وفي حالة تنصلها من هذا الواجب كان يفترض على السلطة تأديته، وللعلم فإن مخيم عين الحلوة شأنه شأن بقية المخيمات الفلسطينية الأخرى، الذي لا يتلقى سكانه أي خدمات أو مساعدات من أي جهة باستثناء خدمات الأونروا.

اقرأ أيضًا: المنظمة وحق الفلسطيني في حمل السلاح

اقرأ أيضًا: مبدأ الشراكة هو الحل

فإذا ما حاولنا وصف حالة مخيم عين الحلوة، فهو يعد من أعقد المخيمات الفلسطينية من ناحية التركيبة التنظيمية، إذ ينقسم إلى مربعات أمنية يصعب الدخول إليها بسهولة، وكل مربع يعود لتنظيم أو مجموعة أو فصيل أو حتى لعائلة، هذا الأمر خلق حالة من انتشار المسلحين انتشارًا سريعًا في الشوارع الرئيسة وأزقة المخيم الضيقة خصوصًا في ساعات الليل، عندما يطرأ أي حدث أمني، يصطحبها حالة استنفار وإطلاق النار لسبب أو لغير سبب، ومع ذلك من المؤسف جدًا أن يتحول مخيم عين الحلوة إلى بيئة خصبة للعنف، بسبب انتشار السلاح، الذي أصبح في أيدي عناصر متعددة ومختلفة، ويستعمل بلا رقيب أو حسيب حقيقي، كما أن بعض الحالات التي يرتكب فيها بعض الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهما "جرائم وجنح ومخالفات وجنايات" مختلفة، وهربًا من الحساب والعقاب، يلجؤون إلى داخل المخيم ويحظون بحماية بعض التنظيمات، مما يسيئ بسمعته ومجتمعه المدني، إضافة إلى ذلك هناك سبب آخر حلَّ على المخيم، كغياب المرجعية السياسية الفلسطينية، فإن تخلي منظمة التحرير عن دورها الوطني، بعد إخضاعها لفصيل وحرمان بقية الفصائل الفلسطينية الوازنة في الساحة الفلسطينية، وهيمنة السلطة على قراراتها، ضف إلى كل هذه الأمور تراجع دور لجنة المتابعة العليا للتنظيمات، يجعل من الساحة في المخيم أرضية خصبة للنزاعات والصدامات، واستمرار الخلاف السياسي يفاقمان أزماته، لذا فإن كثيرًا من الشباب وغيرهم يضطر للالتحاق بتلك التنظيمات التي توفر لهم مبلغًا من المال، وتغريهم بالسلاح، الأمر الذي ينتج عنه افتعال بعض المشاكل الصغيرة بين بعضهم بعضًا، التي قد تكبر لتصل إلى اشتباكات بالسلاح، يكون المدنيون الخاسر الأكبر، الذين يدفعون فاتورة الخسائر البشرية والمادية والتهجير، بل تصبح أكبر خسارة هو نزع السلاح من المخيم، الذي وجد من أجل الدفاع عنه ومقاومة الاحتلال.

لا شكَّ أن الأحداث الأخيرة المؤسفة في مخيم عين الحلوة بسبب تزايد فوضى السلاح وتدهور الأوضاع الأمنية مؤخرًا، تمثّل خطرًا على القضية الفلسطينية، وتهدد قضية اللاجئين الفلسطينيين في دولة لبنان الشقيقة، بل تهدد أمن واستقرار المخيمات الفلسطينية فيها والجوار، وتضر بالمجتمع الفلسطيني، لذا يجب وضع حد لظاهرة شيوع السلاح، وأن الاحتكام للسلاح سينتج عنه عواقب وخيمة تهدد السلم الأهلي والمجتمعي قد يحوّل المخيم إلى غابة يأكل القوي الضعيف، ورب سائل يسأل، إمكانية إرجاع الهدوء للمخيم، والعمل على إنهاء ظاهرة الفلتان الأمني فيه، ولتحقيق هذا يتطلب بذل كل ما بوسع الفصائل لوقف حقيقي لظاهرة إطلاق النار، وسحب المسلحين من الشوارع، لأن هذه الاشتباكات تشوه هدف السلاح الفلسطيني بصفة خاصة، الذي ينبغي أن يوجه للاحتلال فقط، وتشوه صورة القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني بصفة عامة.

إن صورة الصراع في مخيم عين الحلوة تجعله في عين عاصفة مشروع صهيوأمريكي متكامل لاستهداف الوجود الفلسطيني في العراق وسوريا ولبنان، واليوم يعيد التاريخ نفسه بإثارة الفتن بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين باستهداف الأمن في المخيمات الفلسطينية وشيطنة سلاح المقاومة بهدف إنهاء وجودهم والتخلص من صفة لاجئ، ضمن مؤامرة دولية كبرى لإنهاء حق العودة وقضية اللاجئين.