فلسطين أون لاين

لقطات ربيعيّة من حياة ريحانتَي رسول الله

...
د. أسامة الأشقر - أرشيف
د. أسامة الأشقر- مؤرخ ولُغَوي فلسطيني 

تزوّجت السيدةُ فاطمة رضي الله عنها بابن عمّ أبيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه في السنة الثانية من الهجرة، وكان حينها في أوائل العشرين من عمره، وكانت هي دونه بسنين اختلفوا فيها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يردّ الخُطّاب عنها حتى يئسوا منها، فكأنه كان يحبسها لأحدٍ بأمر الله، فكان العروس المنتظر هو عليّ.

وكان لهما عرسٌ حسن، أكل فيه الناس الزبيب والتمر، وجدّدوا حشو الفراش بالليف، وكان فراش العرس إهاب كبش "أيْ فروة جاعد". وفي حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الحسن والحسين طفلين، فقد وُلد سيدنا الحسن بن علي في منتصف رمضان أو في شعبان من السنة الثالثة للهجرة؛ ووُلد سيدنا الحسين بعده بعام في شعبان من سنة 4 هــ، ومات سيدنا رسول الله عنهما وهما دون الثامنة من عمريهما، وسيرته معهما مليئة بالتحبّب والحنان والتعليم.

ورسولُ الله هو مَن سماهما، وكان والدهما يريد التسمية بحرب، وكان لهما أخ ثالث سماه رسول الله محسن لكنه مات صغيراً، ثم ولدت فاطمة أختاهما أم كلثوم ثم زينب.

كان رسول الله شاهداً على ولادة الحسن، وحنّكه بريقه الشريف، فكان ذلك أول ما مسّ فمه فاتصلت به بركة رسول الله. وكان الحسن يركب ظهر جده في أثناء سجوده فيطيل السجود لأجله، حتى إنه كان يصعد معه المنبر إذا خطب.

وقد شاهد أحدهم رسول الله على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويكشف للناس عمّا أخبره الله به من شأن سِبطه، ويسمع هذا الطفل حديث جدّه وأعين الناس تنظر إليه: إِن ابني هذا سيّد، ولعل اللهَ أن يُصْلِحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وظنّي أنه كان يتذكر كلام جدّه يوم أن حقن دماء المسلمين بتنازله عن الخلافة، فلم تُرق نقطة دم واحدة في خلافته، وكان يقول: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.

ومن أطرف ما يروى أن الحسن والحسين دخلا المسجد في أول مشيهما وهما يعثُران في مشيهما، وكانا في قميصين أحمرين، فلما رآهما رسول الله وهو يخطب فلم يصبر حتى قطع حديثه، ونزل من منبره، ورفعهما إليه. وكان رسول الله يرتاح لرؤيتهما ويبتهج، وكان يُظهر الحب لهما، ويشمّهما، وهما يلعبان في حِجره، ويقول: هما رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدنْيَا؛ وكانت أمهما السيدة فاطمة تجعل في عنقهما قلادة على هيئة الخرز معجون من المسك والقرنفل ليطيب ريحُهما وهما بين يدي جدهما. وإني لأحبّهما رجاء أن تبْلغني دعوة رسول الله بأن يحبّني الله إذا أحببتهما على التعيين، ألا تسمعه يوم كان يقول للحسن وهو يلتزمه: اللهم إنّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ.

كان وقت الحسن والحسين مع أمهما السيدة فاطمة رضي الله عنها التي كانت قلما تظهر في أحداث السيرة ترعى بذرة رسول الله، في حين كان والدهما ذا حضور كبير فيها، لكنهما أصيبا بفقد أمهما بعد أن فَقدا جدّهما الحبيب، وكان على والدهما أن يعوّضهما الكثير من الحب والحنان والرعاية.

وفي الصحيح أن أبا بكر صلى بالمؤمنين العصر بعد وفاة رسول الله بليالٍ، ثم خرَج هو وعليّ يمشيان، فرأى الحسن يلعب مع الغلمان، فاحتمله على عُنقه، فجعل يشبّهه بحبيبه رسول الله ويتفدّاه بأبيه، ويقول: بأبي! شبيهٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم، لا شبيهٌ بعلي؛ وعليٌّ يضحك.

عاش الحسن والحسين بداية شبابهما في حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وكان عمر يتفدّى الحسن بنفسه وأبيه كما كان يفعل أبو بكر، ولما عمل عمر الديوان فرض للحسن والحسين من أهل بدر فيه خمسة آلاف.

كما كان الخليفة عثمان بن عفان يكرم الحسن والحسين ويحبهما، وكان الحسن يوم حصار عثمان معه في بيته ومعه السيف متقلدًا به يجاحف عن عثمان، فخشي عثمان عليه، فأقسم عليه ليرجعنَّ إلى منزله.

وقد كان ابن عباس –وهو ابن عم أبيهما- يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا، ويرى هذا من نعم الله عليه، وكانا إذا طافا بالبيت يزدحم الناس عليهما للسلام، ويكادون يحطمونهما من شدة الزحام.

توفي سيدنا الحسن وهو في أواخر الأربعينيات من عمره في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وقد كاد يدفن إلى جوار جده رسول الله بإذن من السيدة عائشة في حياته وبعد مماته لولا الفتنة التي أثارها بعضهم، وقد ازدحم الناس في البقيع حتى لم يسَعْ أحداً.

أما سيدنا الحسين فارتقى شاهداً مشهوداً سنة 61 هـ في كربلاء وهو في منتصف الخمسين من عمره، وما زال الوجع يتجدّد كلما أطلّت هذه الذكرى.