فلسطين أون لاين

يفرضها الاحتلال على المقدسيين للتضييق عليهم

تقرير عقوبة "خدمة الجمهور".. سجن بلا قيود

...
الصحفي ساهر غزاوي من الناصر أحد المعاقبين بخدمة الجمهور بسبب التكبير في الأقصى- أرشيف
القدس المحتلة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

بترقب وقلق تنتظر الصحفية لمى غوشة من القدس المحتلة المكان الذي ستحدده لها مخابرات الاحتلال بالقدس لتطبيق عقوبة السجن في "خدمة الجمهور"، بعدما حددت لها محكمته مدة تسعة أشهر هي أعلى مدة في سقف العقوبة، دون تحديد نوعية العمل الذي ستؤديه.

و"خدمة الجمهور" عقوبة سجن بعيدًا عن السجن الفعلي، يفرضها الاحتلال على المقدسيين للتضييق عليهم، وهي إحدى وسائل تهجيرهم قسرًا، بحيث يجعلهم يؤدون أعمالًا غير مدفوعة الأجر، وفي مهن تنتقص من كرامتهم، كتنظيف دورات مياه بمؤسسات إسرائيلية مختلفة، أو الخدمة في نقل أعلاف حيوانات، أو تغيير "حفاضات" لكبار السن من اليهود، أو لذوي الإعاقة.

"لدي حالة توتر وقلق، فالأمور غير واضحة والمستقبل أمامي مجهول، صحيح لدي قاعدة صمود ومقاومة لكنني لا أعرف أين سأذهب".. هذا ما يقلق الصحفية "غوشة" كما قالت لصحيفة "فلسطين".

تهمة تحريض

وتتهم سلطات الاحتلال "غوشة" بالتحريض والتماهي مع تنظيمات مقاومة، وأنها تؤثر في مجموع من الناس خلال عملها الصحفي خاصة مع عائلات الأسرى والفئات المهمشة في القدس.

لا يزال الخوف يحكم أغلاله على أفكار تجتاح تفكيرها حول شكل العقوبة، قائلةً: "ربما يتحمل شابٌ هذه العقوبة، لكن عندما يوظفونك في مكان ليس فلسطينيا ومؤسسة لا تشبهك فهذا مقلق، لأن هناك أشخاصا ممن تعرضوا للعقوبة ذاتها خدموا في تنظيف دورات المياه لجنود جيش الاحتلال، وفي بيوت المسنين، وهذا سلخ للمقدسي عن هويته".

اقرأ أيضاً: تقرير الضرائب.. أداة ضغط لتهجير المقدسيين

وتتعرض "غوشة" لهذه العقوبة بعد عشرة أشهر أمضتها في "الحبس المنزلي"، لم تقفز عن صورة معاناتها خلال تلك المدة التي وصفتها بـ"الكابوس الحقيقي"، ينتفض القهر من قلبها وهي تستحضر صورًا من تلك الأيام: "تحوّل والداي إلى سجانين يعملان بشروط الاحتلال القهرية، أطفالي كانوا مدركين لاستثنائية الحالة، لكن كان لديهم قلق وانعدام أمن ومخاوف من أن يتم اعتقالي".

وخلال تلك الفترة قاومت "غوشة" الحبس المنزلي بشتى الوسائل الممكنة، وبحثت عن حريتها على المستوى الفني والثقافي بمواصلة القراءة.

وتصف "الحبس المنزلي" بأنه من أقسى العقوبات التأديبية التي يفرضها الاحتلال على مئات الشباب دون السن القانوني للتغطية على سجنهم أمام العالم، وهو "حالة شلل تام تفرض على الإنسان المعتقل في بيته، وقاسية من الناحية النفسية، كونها تستخدم أفراد العائلة للسيطرة والتحكم بالأسير، والهدف من ذلك تفكيك الأسرة".

وتحاول "غوشة" رفض قرار عقوبة "خدمة الجمهور" برفع دعوى استئناف على قرار محكمة الاحتلال، معتبرة القرار "مجحفا وظالما"، فإضافة لتحديد أعلى فترة عقوبة لها بالخدمة، فهي "عقوبة قاسية وليست ناعمة كما يحاول الاحتلال تسويقها، تستهدف بشكل أساسي إذلال المقدسي، ومحاولة سلخه عن ذاته سواء بالحبس المنزلي أو خدمة الجمهور".

بديل عن السجن

من ناحيته يعتقد الناشط المقدسي فخري أبو دياب أن الاحتلال يستخدم سياسة السجن بـ"خدمة الجمهور" بدل السجن الفعلي، ويحاول من خلاله تضييق الخناق على المقدسيين، حيث يعمل المحكوم بهذه العقوبة عدة أشهر بالمجان، بالتالي تؤثر في دخل العائلة التي تفقد مصدر قوتها.

وقال أبو دياب لـ"فلسطين": إن عقوبة "خدمة الجمهور" تجعل المقدسي موظفا أو عاملا لدى مؤسسات الاحتلال لفترة معينة تفرضها المحاكم دون أجر، وفي المقابل تستخدم محاكمه هذه العقوبة لتخفيف الحكم على جنوده الذين يرتكبون جرائم بحق الشعب الفلسطيني، وتكون غالبا لفترات قصيرة.

وعد ذلك دليل "عنصرية" من الاحتلال لذر الرماد في العيون أمام العالم، بأنه حكم على يهودي ارتكب جنحة أو جريمة، ويستبدلون السجن بعقوبة مخففة، ولو ارتكب فلسطيني الفعل ذاته فيتم سجنه سنوات طويلة.

ويمتد أثر العقوبة ليطال عائلة المقدسي المعرض للعقوبة، إذ بين الباحث المقدسي والمحرر شعيب أبو سنينة أن بعض المقدسيين يضطرون بعد انتهاء فترة تأدية العقوبة اليومية للعمل مساءً لتوفير لقمة العيش لعائلاتهم، أو دفع أحد الأبناء أو الزوجة للعمل.

وقال أبو سنينة لـ"فلسطين": إن المحصلة من هذه العقوبة هي الإيذاء النفسي، والعمل على إفقار المقدسيين الذين بلغت نسبة الفقر في صفوفهم 78%، وباتت عقوبة "خدمة الجمهور" إحدى الوسائل الممارسة عليهم لدفعهم للرحيل عن المدينة قسرا.

ولم يسلم ذوو الأسرى من العقوبة، وفق أبو سنينة، إذ تعرضت الأسيرة المقدسية آمال محمود الشاويش (52 عامًا) للسجن بهذه العقوبة بذريعة "تهريب شريحة اتصال هاتفية" لابنها الأسير محمد، وفرض عليها عقوبة إعداد الطعام قبل وفاتها في 29 يوليو/ تموز 2019.