أوصى باحثون ومهتمون بالشأن الثقافي الجهات الحكومية بغزة بإعادة الجسم الراعي لقطاع الثقافة المتمثل في وزارة الثقافة، ليتسع الهيكل الإداري ويتناسب مع وظيفة ومهام القطاع الثقافي في المجتمع، والعمل على إعداد تشريعات ولوائح وأنظمة إدارية تمكن من الاستثمار الثقافي.
ودعوا في مؤتمر "الثقافة الفلسطينية.. آفاق وإستراتيجيات" الذي نظمته الهيئة العامة للشباب والثقافة بالتعاون مع المركز الثقافي الماليزي، لمراجعة المناهج التعليمية وتزويدها بكل الوسائل المعززة للقيم الوطنية في مواجهة ثقافة التغريب والتركيز على القيم الوطنية وتعزيزها، مؤكدين دور المثقف في حفظ الهوية الوطنية من الخطر المعلوماتي.
إستراتيجية وطنية
رئيس الهيئة العامة للشباب والثقافة أحمد محيسن أوضح أهمية تعزيز القيم والثوابت الوطنية ورسم سياسة إستراتيجية ثقافية وطنية، تقوم على تعزيز الهوية الثقافية الفلسطينية في عمقها العربي والإسلامي في ظل التحولات الإقليمية والدولية، وهرولة البعض إلى التطبيع مع (إسرائيل) الذي يمارس أبشع حرب في التاريخ الإنساني بحق شعبنا.
وقال: "الاحتلال يسعى لتدمير قيمنا الثقافية والحضارية والإسلامية ويهدم مقدساتنا ويسرق تراثنا المادي والمعنوي وينسبه له، لذلك فإن الإستراتيجية الثقافية الوطنية التي تحمل قيم العدالة والتسامح مهمة لتواجه كل الثقافات المعادية للإنسانية في (إسرائيل) ورعاتها من الدول الأخرى".
وشدد على أن الآمال معلقة على النخب الثقافية والعلمية عبر إنتاجها الفكري والفني والثقافي ونقل الذاكرة الجماعية شعبنا وأمتنا، عبر روابط الدين والدم المشترك ووحدة المصير التي تعبر عن هويتنا العربية والإسلامية كمخزون حضاري يدفع نحو التحرير.
في حين بين رئيس هيئة الثوابت الفلسطينية د. محمود الزهار أن مفهوم الثقافة يختلف من شخص لآخر تبعًا لخلفيته الثقافية، مبينًا أنها حصيلة المعرفة في المجالات المختلفة والمتخصصة التي يكتسبها الانسان في مراحل حياته المختلفة من الصبا إلى الشيخوخة، وهي نظام يتكون من مجموعة من المعتقدات والإجراءات والمعارف ونمط السلوك الذي يحدده الإنسان لتحقيق غاياته المتعددة.
الثوابت الفلسطينية
وأشار الزهار إلى أن الثوابت الفلسطينية يجب ألا تتغير بتغير زمان أو مكان، وهي تتمثل في الإنسان وحقوقه ثم الأرض بكاملها من البحر إلى النهر، والعقيدة والمقدسات المسيحية والإسلامية، مؤكدًا أهمية إعادة بوصلة الناس للمعرفة الحقيقية للثوابت الفلسطينية.
وأكد الزهار أن هذا المؤتمر يأتي في إطار الغاية الكلية المتمثلة في تحرير فلسطين بكامل ترابها، وليس من باب الترف الفكري، مثمنًا الجهود المبذولة لصناعة الثقافة الفلسطينية الأصيلة والتصدي لرواية الاحتلال المزورة.
بدوره بين رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر د. كمال غنيم أهمية تعزيز الهوية الثقافية لشعبنا وتعزيز الإبداع والمشهد الثقافي الفلسطيني والإسهام في تأهيل الثقافة الفلسطينية لمجابهة العولمة، وتعزيز الصناعات الثقافية لإيصال الرواية الفلسطينية ومواجهة الروايات المزورة.
وأكد أهمية تعزيز الوعي في المجتمع الفلسطيني وحفظ تاريخنا من الاندثار عبر استخدام الإعلام الثقافي لتوثيق ممارسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الثقافة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن المؤتمر يعتمد على خمسة وثلاثين بحثًا منها خمس أبحاث عربية.
الباحثة لبنى الأغا في بحثها الموسوم بعنوان "دور المرأة الفلسطينية في حماية الهوية الثقافية للمجتمع" بينت وجود تحديات كبيرة تواجه المرأة الفلسطينية وتعيق تقدمها الثقافي، منها: اجتماعية وأخرى اقتصادية تتمثل في عدم قدرتها على الوصول إلى الفرص الثقافية والتعليمية والفنية، بسبب الفقر وعدم الاستقرار الاقتصادي، بجانب تحديات تقنية تتمثل في ضعف القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا والانترنت ما يؤثر سلبيًا في قدرتها على التواصل مع الجماهير.
أما الباحثة د. رباب الشوبكي فبينت في بحثٍ لها بعنوان "إدارة المخاطر للبلدة القديمة في مدينة الخليل" أن الخليل التي هي من أكبر المدن في فلسطين ومن ضمن المدن المقدسة لوجود الحرم الإبراهيمي فيها تتعرض لمخاطر شديدة في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت: "تم احتلال العديد من المباني وإشغالها من المستوطنين الذي تبعه تقسيم البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي عبر عدة اتفاقيات بين السلطة والاحتلال الذي تنتشر حواجزه فيها، ما جعل من الأهمية بمكان تسجيلها على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر".
في حين بينت الباحثة أ.د. نسرين السالمة ببحث بعنوان "أدوات ممارسة الثقافة والتراث الفلسطيني في سورية ودورها في تعزيز الهوية الفلسطينية" أن الفعل الثقافي المقاوم العربي منه عامة والفلسطيني خاصة لا يزال دون المأمول منه، دون أن نبخسَ بعضَ الحكومات العربية وعلى رأسها سورية دعمَها المطلق للحق الفلسطيني بعمقه التاريخي وأفقه المستقبلي وكل تفاصيله الثقافية والتراثية والعسكرية والسياسية.
الحرب الثقافية
ورأت السالمة أنه لكي يكون هناك فعل عربي ثقافي ناجح على مستوى الدولة الواحدة يجب أن يكون على ارتباط وثيق بماضي وحاضر ومستقبل الثقافة العربية، وأن تشكل الثقافة والتراث الفلسطيني السلاح الأمضى في حرب الوجود ضد (إسرائيل) ومن ضمنها الحرب الثقافية الناعمة والباردة التي تشنها على الثقافة والتراث الفلسطيني.
بدورها، دعت الباحثة رنا شمالي في بحثها "إستراتيجية مقترحة لتطوير دور المرأة القيادية في المؤسسات الثقافية" إلى استحداث شراكات جديدة مع المانحين من أجل توفير موارد مالية كافية للمؤسسات الثقافية لتحقيق رسالتها وغاياتها وأهدافها الإستراتيجية، وإعداد أنظمة ولوائح مالية تحكم أداء الإدارة المالية لها.
وقالت: "ينبغي على المؤسسات الثقافية تطوير إستراتيجيتها دوريًا عبر الاطلاع على التجارب والنماذج المشابهة، والعمل على مشاركة الأطراف المجتمعية المختلفة في مجالسها، ووضع خطة موثقة ومعتمدة لخدمة المجتمع تنسجم مع رسالتها".
من جانبه، بين الباحث حمزة محيسن في بحثه الموسوم بعنوان "التطبيع الثقافي: سبل ثقافة المقاومة وآفاق تأثيرها في الوعي العربي"، أن البعض يحاول زرع ثقافة الانهزام في الوعي العربي، بحجج منها: ضعف النظام العربي، والدعم الغربي الكبير لـ(إسرائيل).
وقال: "يجب مقاومة هذه الثقافة وزرع ثقافة المقاومة بدلًا منها؛ ما يبني وعيًا جماعيًا يسير على خط إنهاء الاحتلال عبر التركيز على تجارب تاريخية، ونجاحات المقاومة الفلسطينية المستمرة منذ 75 عامًا".
في حين ناقش الباحث والفنان التشكيلي شحدة درغام في بحث المعنون بـ"الحركة التشكيلية الفلسـطينية بين الواقع والمأمـــــــول"، دور الفن التشكيلي الفلسطيني في حركة التحريض وإبراز مأساة الأمة؛ "وهو يمثل الشطر البصري من ثقافتنا الوطنية وبنيتنا الفوقية المتعلقة بإبداع بصري لوني تأملي، إذ كان للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي مر بها الشعب العربي الفلسطيني منذ القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر دور في إبراز نتاجات ثقافية وطنية من أهمها الفن التشكيلي".
أما د. سمير سحقي فدعا في ورقته البحثية "الدور المنشود للمثقف العربي في مواجهة التطبيع"، لتفعيل أدوار المثقفين في مقاومة أشكال التطبيع العربي مع (إسرائيل) خصوصًا في بعديه السياسي والثقافي.
وقال: "يجب بدايةً نبذ كل الاختلافات الطائفية والمذهبية والعرقية والتحرر من قيود الأيديولوجية التي تشتت صفوف المقاومة وتبعدها عن القضية المركزية، ألا وهي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل أشكاله وتبعاته".
من ناحيتها، تناولت الباحثة د. سناء زقوت في بحثها "القيم المفقودة في الشعر الفلسطيني المعاصر"، القيم والموضوعات والاتجاهات الفكرية التي غاب حضورها عن الشعر الفلسطيني المعاصر، نتيجة للانغماس في الحالة الفلسطينية بما فيها من مشاعر بؤس وفقر وحزن.
وأشارت إلى فقر المكتبة الأدبية بالدراسات السابقة التي تناولت القيم والاتجاهات في الشعر الفلسطيني.
افتقار للمسرح
أما الباحثة ريما خضر فخلصت في بحثها "المسرح الفلسطيني في قطاع غزة بين الواقع والمأمول" أنه لا يوجد على أرض قطاع غزة مسرح حقيقي مطابق للمعايير التصميمية للمسرح، لكن المحاولات الشابة الجادة الهادفة لخلق حركة مسرحية فلسطينية لم تتوقف منذ عام 1948م، " فمسرح غزة كان أقل من الإمكانيات والخبرات والكوادر البشرية في باقي أنحاء فلسطين".
وللخصوصية الفريدة التي تتميز بها روايات الأسير وليد دقة فقد اهتمت بها الباحثة هالة ضاهر في بحثها بعنوان "تجربة الأسر في أدب الأطفال الفلسطيني" روايات وليد دقة أنموذجاً (حكاية سر الزيت، حكاية سر السيف) لكونها تمتزج فيها تجربته في الأسر، بوعيه الثقافي والفكري والسياسي والأدبي على المستوى الفلسطيني، داعيةً لضرورة التركيز على قضية الأسرى وإنتاجاتهم الثقافية والأدبية والفكرية، واعتمادها في المناهج المدرسية لتنمية مشاعر الانتماء للوطن والتضحيات في سبيله.
وحذر الباحث د. أشرف أبو عطايا في بحثه بعنوان "ثقافة العولمة رؤية في الواقع وتداعياتها على الهوية" من كون المنهاج الفلسطيني كنتاج اتفاقيات أوسلو، يدعو إلى الدفع باتجاه العولمة الثقافية داخل المجتمع الفلسطيني عبر تبنيه لقيم غربية مثل: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والسلام، والتعايش مع الآخر، مشيرًا إلى أن السلطة الفلسطينية فتحت المجال على مصراعيه، للمنظمات الدولية والجمعيات النسوية للدخول للمجتمع لنقضه من داخله ونشر ثقافة العولمة المتمثلة بالمفاهيم والقيم الغربية.