فلسطين أون لاين

​ما بين مجاملة ونفاق

...
بقلم/ إكرام السعايدة

يظن الكثير من الناس أن المجاملة ما هي إلا تلك الكلمات المعسولة التي يقولها أحدهم لقاء الحصول على منفعة ما، وبعضنا أيضًا يعتقد أن المجاملة نوع من أنواع النفاق الاجتماعي أو الضحك على اللحى, ومعارضو المجاملة يتحججون بأنهم صرحاء شجعان يقولون الحق في عين صاحبه بلا خوف أو تردد, وأنهم ليسوا بحاجة لمجاملة أحد أو "لمسح الجوخ" كما هو شائع لدينا.

وهناك خيط رفيع بين كل من النفاق والكذب قد يغيب عن البعض، فالمجاملة هي كلمات إطراء تخرج بصدق منك لمن أمامك بهدف كسب حبه, والنفاق هو كلمات تخرج منك وأنت غير مقتنع بها لمن أمامك من أجل تحقيق منفعة مادية.. أي أن المجاملة صدق.

أما النفاق هو كذب محض، والمجاملة تعبر عن دبلوماسية صاحبها ومدى جاذبيته الاجتماعية والكاريزما المميزة التي يتمتع بها. أما الكذب فما هو إلا رياء وزيف فتصف الإنسان بما ليس فيه. وعلى سبيل المثال فقد لا يجيد أحدهم الكتابة ولا التعبير فتجد المنافق يبادره بأنه أفضل من يكتب ويقرض الشعر.

وعلى النقيض ففي المجاملة قد تكون هناك محاولات خجولة لبدايات كاتب على الطريق فتجامله بأن كتابته يجب أن ترى النور لأنها تستحق القراءة، فهنا أنت لم تنافقه بل تثني على شيء موجود لديه، ولكنه بحاجة إلى التعزيز والتشجيع.

لذلك علينا الحذر من المبالغة في المجاملة حتى لا نقع في بئر النفاق! المجاملة تفتح لك القلوب المغلقة فكيف تستخدمها بحكمة؟ المجاملة تعبر عن شيء صادق نود إيصاله للطرف الآخر ولكن مع الأسف قد نقع ضحية سوء ظنهم فيعتقد أنها مجرد نفاق اجتماعي فهو غير مطلع على فؤادك وسرائرك، لذلك علينا حينما نستخدم المجاملة أن نشعر من يتلقاها بصدقها غير القابل للشك.

وذلك عبر عدة طرق منها على سبيل المثال:

الإيمان بما تقول: يجب أن تكون مقتنعًا أولًا بما تقول, فما يخرج من القلب يدخل إلى القلب, لذا إذا قررت أن تجامل شخصًا ما فعليك أن تبحث عن صفات حقيقية فيه, عليك أن تعمل جردًا سريعا لتاريخه معك تستعرض فيه مواقفه وكلامه واهتماماته المختلفة ومن خلال هذا الجرد ستكتشف فيه صفات حسنة كثيرة وموافق نبيلة صدرت منه في الماضي يمكن أن تبرزها له وتصيغها في مجاملة ترفع روحه المعنوية وتساعده على القيام بهذا السلوك الحسن مرات كثيرة.

* المجاملة المبرهنة: يفضل أن تكون المجاملة التي تقولها لمن أمامك متبوعة ببرهان يؤكدها وينقلها بسلاسة إلى قلب المتلقي, فلو قلت له أنت تتمتع بذكاء حاد قل لماذا تقول هذا, قدم له البرهان, وضح له موقفًا ما أثبت لك فيه أنه حاد الذكاء, برهن على ما تقول حتى تؤثر فيمن أمامك.

* الاقتصاد في المجاملة: لا تجامل شخصًا بعينه في كل مرة تراه فيها, فهذا إسراف في المجاملة يؤدي إلى نتيجة عكسية، فلربما يشك من يتلقى المجاملة في مصداقيتك, لذا اجعل المجاملة تأتي أثناء الموقف وبطريقة غير مباشرة..

* عدم انتظار المقابل: حينما تجامل لا تنتظر مقابلًا, لا تتوقع أن يقوم الشخص الذي جاملته بمجاملتك بالمقابل, لكن كن على ثقة أن الشخص الذي جاملته بصدق يحبك الآن وهذا يكفيك.

* تفهم الخلفية النفسية والثقافية للشخص الذي تجامله: هناك نوع من الناس ذو طبيعة تختلف عنك وثقافة وتربية تختلف عما نشأت عليه, لذا في بعض الأحيان حينما تجامل مثل هذا النوع من الناس، ففي بعض الأحيان يكون رد فعلهم من المجاملة محبطا بالنسبة لك، مثلا إذا قُلت لأحدهم "تبدو في غاية الأناقة"، فيرد عليك قائلًا: "هذا شيء طبيعي"، وحينما تواجه رد فعل كهذا لا تتعصب وتجعل رد فعلك العكسي يدمر ما قلته من مجاملة, عليك أن تتفهم أن الذي أمامك شخص طبيعته خشنة, وأن مجاملتك أثرت فيه لكنه يقاومها ليوضح لك أنه واثق من نفسه, عليك أن تدرك أن مثل هذا النوع من البشر قد عانى كثيرًا بالنسبة للموضوع الذي تجامله فيه وأنه تلقى تجريحا من قبل في طريقة ملبسه من أناس آخرين جعلته يتحسس تجاه هذا الموضوع, لذا أصبح خشنًا جدًا مع من يحدثه في هذا الموضوع حتى ولو كان من باب المجاملة, كن هادئًا, وابتسم وقل له: "أنا فقط أحببت أن أؤكد ذلك".