العدوان الإسرائيلي المتواصل على الضفة المحتلة منذ عامين لم ينتهِ، ما دام التنسيق والتعاون الأمني المخزي قائما على قدم وساق بين الاحتلال والسلطة، الذي يعد طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني على مدار ثلاثة عقود ماضية، ولا يزال هذا الخنجر مغروسا إلى اليوم وهو خدمة مجانية للاحتلال بقمع المقاومة هناك ولحماية المستوطنين ليس إلا، فما حدث أمس في مخيم نور شمس بطولكرم، ومخيم عسكر بنابلس بجرح عدد كبير من المدنيين العزل يتعدى جرائم الحرب، ومخالف للقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، التي يطبقها بكل أسف من المجتمع الدولي بازدواجية المعايير، ومن جانب واحد دون عدل.
إن سياسة القهر والإذلال والتهويد والاستيطان وكل ما يتعلق بالاحتلال، هو ما تعبر عنه الضفة من حالة الغضب الشعبية اليومية وقد كسرت هاجس الخوف والرعب للقبضة الأمنية التي فرضت عليهم من قبل الاحتلال والسلطة المتعاونة معه والمعينة له، بتخاذلها بصد وإيقاف العدوان الصهيوني ضد أبناء شعبها، بل العكس نجدها تختفي من المكان المستهدف من قبل قوات الاحتلال، لإفساح المجال للقوة الغاشمة المعتدية حتى انتهاء عمليتها العسكرية، وبعدها تقوم بنفس الأدوار لاستكمال ما عجز الاحتلال عن تحقيقه.
اقرأ أيضًا: اليمين الإسرائيلي يستعرض خياراته الفلسطينية المتعثرة
اقرأ أيضًا: الإرهاب الاستيطاني.. بين التعامي والتجاهل
الواضح أن استعانة الاحتلال بالسلطة وسعيه لتقويتها للقضاء على خلايا المقاومة، هو تعبير عن عجزه لاحتوائها والقضاء عليها، وقد انفرطت سبحة السيطرة الأمنية في مختلف مدن وقرى الضفة، وعادت إلى زمن الانتفاضة ولكنها هذه المرة أخذت أشكالا أخرى أشد وطأة وأكثر عنفا من السابق، حين تميزت فاعليتها بالأعمال والأنشطة الفدائية المسلحة، وإدخال أنواع جديدة من السلاح كالصواريخ التي انطلقت الأيام الماضية من جنين والعبوات الناسفة “كوع” والمتفجرات “شواظ”، التي بدأت تظهر في كل منطقة تتعرض للاعتداءات واقتحامات الاحتلال كان آخرها أمس في مخيم نور شمس بتفجير آلية عسكرية للاحتلال، وقد سبقها في كل من جنين وتقوع، وهذا شكل عنصر المفاجأة لقادة الاحتلال بتنوع وسائل المقاومة وقوة استمراريتها، بالرغم من كل التطمينات لقدرته على إعادة الهدوء، لكن المقاومة في كل يوم يشتد عودها وتزداد ضراوتها، بل وفي كل مرة نرى أن العملية الفدائية أقوى من التي سبقتها، ما يدلل على فشل كل خطط الاحتلال الأمنية، بالرغم من كل ما يدعيه الاحتلال بنشر كتائب عسكرية إضافية، وتشديد القبضة الحديدية بالإجراءات العسكرية والتنسيق الأمني مع السلطة على مدار الساعة، بعد أن تستنزف الاحتلال كل خططه الأمنية والعسكرية بما يسمى بـ"كاسر الأمواج"، و"جز العشب"، و"السور الواقي"، و”كيّ الوعي” الهادفة إلى إعادة الهدوء إلى سابق عهده، وتمكين الاحتلال والسلطة من بسط السيطرة الأمنية من كلا الطرفين بالكامل على الضفة، التي وصلت إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها، ليس من باب الدفاع فقط، وإن كان هذا هو أساس عمل المقاومة في الغالب، وإنما يأتي من باب النفس الطويل بتطوير قدراتها وخططتها واستراتيجيتها وأعمالها الفدائية النوعية والرمزية والتكتيكية بحسب ما تقتضيه الحاجة وما تفرضه عليها المعركة.
لا شك أن انتقال المقاومة من مرحلة إلى أخرى أكثر قوة وزخما يقلق الاحتلال ويسبب الإحراج للسلطة التي فقدت سيطرتها على أغلب مناطق الضفة وأصبحت خارجة عن الخدمة لمصلحة شعبها، بل إنها تميل كل الميل لشريكها الأمني، لتحافظ على كيانها وصيرورتها، بدلا من أن تنتفض وأجهزتها الأمنية لتتصدى لاقتحامات الاحتلال وترفع الظلم عن شعبها مهما كلفها الأمر، فهي لم تحصل ولن تحصل على شيء، لأن الاحتلال أنكر كل الاتفاقيات التي وقعها معها ومزقها شر ممزق، ولم يبقِ إلا ورقة التعاون الأمني عمدا، بهدف إذلالها وتركيعها، ولكي يضرب بها السلطة والشعب، لتتهيأ له الفرصة أكثر فأكثر لمواصلة تنفيذ خططه الاستيطانية والتهويدية في الضفة والقدس تحديدا.
إن ما ينتظره الشعب الفلسطيني أن تصطف السلطة بجانبه لمواجهة الاحتلال والاستيطان، ولكن قبل كل هذا أن تنفض السلطة يديها من اتفاقية التعاون الأمني المشبوهة، ليعلم الاحتلال أنه الشعب والسلطة في هدف واحد، وما بقي له سوى الانسحاب والرحيل من حيث جاء.
إن المقاومة التي تنتشر في كل أرجاء الصفة من مخيم نور شمس، ومخيم عسكر، وجنين، ونابلس، وأريحا، والخليل والقدس، ويمتشق رجالها السلاح والأحزمة الناسفة وتنصب الكمائن بالمتفجرات، ووصلت إلى مرحلة إطلاق الصواريخ، الواضح أنها ترفض الاستسلام ولم تتراجع قيد أنملة عن أهدافها المحددة وإنهاء الاحتلال وتحرير الضفة من الاستيطان.