فلسطين أون لاين

انتزعت تفوقها من بين أنياب الحزن

في يوم ميلاد والدها الشهيد.. إسلام منصور توقد شمعة فرح

...
الطالبة إسلام منصور
غزة/ يحيى اليعقوبي:

كانت الدموع تغلبها كلما حاولت التعالي على جرحها وفتح كتابها الدراسي، فتبلل صفحاته كغيمة حزنٍ لم تتوقف عن إلقاء زخاتها، وأبت الرحيل ومفارقتها، وتحولت الصفحات الورقية لمرآة تطل منها صورة والدها مبتسمًا وأخرى مضرجًا بدمائه وصوته القادم من نوافذ الذاكرة: "راح أنقش اسمي واسمك على قلادة لما تتفوقي".

لم تستطع "إسلام" تخطي فاجعة اغتيال والدها القائد في كتائب القسام أيمن منصور ونجله "عطية" صباح الخميس الموافق 22 يونيو/ حزيران الماضي في جريمة إطلاق نار وقعت أمام منزله بجباليا شمال القطاع، وتقديم آخر امتحانين في الثانوية العامة، التاريخ وتكنولوجيا المعلومات.

اقرأ أيضاً: بالصور الكتلة الإسلامية تكرّم المتفوقين في الثانوية العامة بخان يونس

امتلأ البيت بالمعزين، واحتلت الصدمة قلوب عائلته وأهالي القطاع، كانت "إسلام" تخوض معركتين، اتكأت فيهما على الصبر الذي اتخذته سلاحًا ورثته من والدها لتجاوز الصدمة، في لحظة أوشكت فيها على رفع راية الاستسلام وعدم تقديم امتحان التاريخ في اليوم الثالث للعزاء.

تجاوز الصدمة

كانت ذكرياتها مع والدها تشحن صبرها كلما خارت قواها، وتتماسك، فامتحنت في التاريخ ولم تبخل عليها ذاكرتها بمدها بمعلومات اختزنتها حينما ختمت المادة مرتين، وكذلك الحال بمادة تكنولوجيا المعلومات التي تلتها بعد يومين، لتجسد قصة صبرٍ انتزعت فيها التفوق بين أنياب الحزن والفقد.

لحظة إعلان النتائج، اجتمعت ذكرى ميلاد والدها الشهيد مع إعلان النتائج يوم الخميس الموافق 20 يوليو/ تموز الجاري، سادت لحظة قلق وترقب حتى وصلت النتيجة بتفوقها بالثانوية العامة بمعدل 94% بالفرع الأدبي، في مشهد تزاحمت فيه دموع الفرح والحزن، واشتياقها لمعانقة والدها الذي انتظر هذه اللحظة وكان الغائب الحاضر.

في تلك اللحظة استعادت ذكريات والدها الشهيد، عندما أصابتها وعكة صحية فوقف بجانبها، وشحنها بكلمات كللها بالدعاء لها: "ربنا يشفيكِ، أهم شيء صحتكِ"، وكلمات دعاء خطها على قصاصة ورقية كتب فيها: "اللهم لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة، ولا نشورا.. ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني، ولن أتقي إلا ما وقيتني فوفقني يا رب لما تحب وترضى من القول والعمل" وذيله بتوقيعه، ليبقى آخر ذكرى.

فرحة وغصة حزن

بصوت ما زال يتجرع مرارة الفقد، يثقل الفقد صوت إسلام منصور حينما قالت لصحيفة "فلسطين": "فرحة النجاح لا تعوض، وربنا أكرمني بها، لكنها مرت بغصة مليئة بالبكاء، كنا بحاجة لوجود أبي، وكنت أتمنى أن أحضنه في يوم ميلاده الذي أوقدت فيه شمعة فرح بتوفقي".

لم يغب القائد منصور عن تفاصيل دراسة ابنته، فخلال العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/ أيار الماضي، رن هاتفهم المتصل بخط اتصال آمن لبيوت قادة المقاومة، ترفدها ذاكرتها ببقية التفاصيل: "في العادة أتجنب الرد على أبي كي لا أبكي عند سماع صوته، وفي ذلك اليوم كنت بمفردي بالبيت، وقال لي بصوته الأبوي الدافئ: (اتصلت بدي أطمئن عليكم، وعلى دراستك)".

أن تقدم الامتحان الأخير كان أصعب شيء تستطيع فعله بعد يومين من فقد والدها، بصوت ممتلئ بالرضا والصبر تجيب: "كنت لا أريد استكمال تقديم الامتحانات من شدة البكاء والحزن، وعندما تذكرت مسيرة أبي في العلم والجهاد، وهي سيرة عطرة مليئة بالتحديات، بدأت التحامل لأستكمل الحياة، واعتمدت على دراستي السابقة لمادة التاريخ".

قبل ليلة استشهاده، مع حلول مساء الأربعاء جلس منصور مع ابنته، ودار بينهما حوار تستعيد تفاصيله: "سألني عن معدلي المتوقع، فأخبرته أنني أتوقع معدل 95%، فارتسمت على وجهه ابتسامة عبر عنها صوته: ممتاز، بدي أهديك سنسال (قلادة) وأنقش اسمي واسمك عليها، هدية تفوقك".

يسكن القهر قلبها: "شاء الله أن يستشهد"

كثيرة هي المواقف التي ساندها فيها والدها الذي تصفه بـ"أب عظيم" يطرق صوته ذاكرتها "التوجيهي أسهل شيء بالحياة" عندما كان يراها تبكي، أو بعض الهدايا المعنوية، والسؤال عن دراستها، لتخاطب روحه في ختام حديثها وهي تلقي على روحه السلام: "أهدي نجاحي لأبي وأخي "عطية"، كانت أمنيتي أن يشاركاني فرحتي".