كانت دقات قلب الطالبة سماح حجاج (18 عامًا) تتسارع كلما اقتربت عقارب الساعة التي تسير كـ"السلحفاة" من التاسعة صباحًا، وهي تضع بين يديها هاتفها المحمول انتظارًا لوصول "رسالة قصيرة" تحمل في طياتها "النبأ العظيم" لها.
"نبارك لكم نجاحكم في الثانوية العامة بحصولكم على معدل 99.9%".. كان نص الرسالة التي وصلت إلى الطالبة المتفوقة سماح، التي كانت تُعادل "الفرحة الأجمل في الحياة التي لا يضاهيها أي فرحة"، كما تصفها، ولا سيّما أنها الحاصلة على الترتيب الأول على مستوى الوطن في الفرع الشرعي.
انقلبت حالة الهدوء الممزوجة بالتوتر والقلق التي عاشتها سماح وعائلتها وهم ينتظرون النتائج "على أحر من الجمر" إلى أجمل لحظات الفرح والسعادة التي عمّت أرجاء المنزل، ورافقها أصوات أناشيد النجاح والزغاريد.
اقرأ أيضاً: بالصور "الكتلة الإسلامية" بغزة تكرّم أوائل الطلبة بالثانوية العامة لعام 2023
لحظات من الصمت خيّمت على سماح، مع تلقيها خبر حصولها على ذلك المعدل، ثم أخذت تُقبل والديها وإخوانها وكل من حولها، حتى خرّت على الأرض ساجدة لله شكراً على تفوقها.
انهالت دموع الفرح على وجنتي سماح التي أنهت دراسة الثانوية العامة في مدرسة دلال المُغربي الثانوية للبنات في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، "مشاعر سعيدة ومختلطة بين التوتر والفرحة"، تحكي عن أولى لحظات تلقيها مُعدل الثانوية العامة.
تقول سماح لصحيفة "فلسطين": "الحمد لله الذي قدرني أن أحصل على هذا المعدل وأدخل الفرحة والسعادة على وجوه أفراد عائلتي وكل المحبين لي".
وتروي سماح أنها أمضت دراستها خلال العام بشكل طبيعي دون قلق أو توتر، كما استمرت على متابعة دروسها أولًا بأول، مضيفةً "ركّزت أكثر في الدراسة قبل موعد الاختبارات بنحو شهرين واستطعت ختم المنهاج مرتين".
كان الوالدان يساندان سماح، كما تقول، على مدار السنة، إذ وفرا لها كل سبل الراحة في سبيل تحقيق حلمها بالتفوق والحصول على المراتب الأولى على مستوى القطاع.
وتُضيف "لم يشعرني والديّ بأي أعباء، بل وفروا لي كل سبل الراحة، وكانا خير داعمٍ لي، وهو ما ساعدني بالفعل من تحقيق التفوق".
الوصول إلى التفوق قد يمر ببعض المعيقات والصعوبات، وهذا ما واجهته سماح خلال العام الدراسي، إذ تقول إن مرور قطاع غزة بأحداث العدوانات والتصعيدات الإسرائيلية، وتواصل انقطاع التيار الكهربائي ألقت بظلالها السلبية على دراستها، ولا سيّما أن تشغيل المولدات الكهربائية يشكل إزعاجاً كبيراً.
"كان لدي عزيمة وإصرار منذ بداية العام الدراسي بأن أحصل على معدل عالٍ، لأدخل الفرحة والسعادة على قلب والديّ وإخواني"، بهذه الكلمات توضح سماح كيف اجتازت تلك الصعوبات.
وأهدت سماح تفوقها في الثانوية العامة إلى روح شقيقها الشهيد "طارق" الذي ارتقى خلال قصف إسرائيلي على منزل جدها المجاور لمنزلهم في حي الشجاعية خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014.
ولم تُقرر سماح بعد التخصص الذي ستلتحق به خلال دراستها الجامعية، لكنها تفضل مجالات تكنولوجيا المعلومات والإعلام الرقمي.
ووجهت نصائح لطلبة الثانوية العامة في الأعوام القادمة بأن "عليكم المحافظة على دراستكم أولاً بأول، وتنظيم الوقت واستغلاله جيداً خاصة في الأشهر الأخيرة التي تسبق الامتحانات النهائية".
ملامح السعادة لم تغب عن ملامح فايق حجاج؛ والد سماح، الذي يحتضن ابنته بين الفينة والأخرى؛ تعبيرًا عن فرحته بالإنجاز الذي حققته، حيث يقول: "نحن نعيش أجواء ومشاعر جميلة جدًّا بتفوق سماح وحصولها على ترتيب الأول على الوطن".
ويضيف حجاج لـ"فلسطين": "الحمد لله الذي أكرمنا بنجاح بنتي على مستوى الوطن، فهذا من فضل الله وكرمه علينا، وهذا نتاج تربيتنا لأبنائنا على حُب كتاب الله عز وجل وسنة رسوله".
يرمي حجاج بنظرات تمتلئ بالحب والامتنان لـ"سماح"، وهو يضيف: "اجتهدت ودرست طوال العام، وكانت تريد أن تهدي نجاحها لروح الشهيد طارق، وحققت ما أرادت بفضل الله".
ويوجه دعوة لأهالي طلبة الثانوية العامة في الأعوام القادمة بأن يكونوا عوناً لأبنائهم ولا يمارسوا عليهم أي ضغوطات، حتى لا يزيدوا من حجم الأعباء الملقاة على عاتقهم، في سبيل تحقيق النجاح والتفوق.