فلسطين أون لاين

الإصلاح بين الناس نهجٌ شرعي يرضي الله ورسوله

...
غزة- هدى الدلو

قال (تعالى): "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ"، ولما كان الصلح خيرًا ونهجًا شرعيًّا قرآنيًّا، وأثره يهبّ كرياح محبة وألفة على قلوب المتخاصمين؛ فمن الجيد أن يمضي المسلم قدمًا في الإصلاح بين الناس، ليصلح بين نفوسهم، فيساهم في حفظ المجتمعات من التفكك والخلافات.

ثوابه عظيم

العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين أحمد زمارة قال: "إن الله (سبحانه وتعالى) رحيم بعباده لطيف بهم، لذلك أنزل القرآن الكريم كتاب هداية ونور وإصلاح، وأرسل رسوله محمد هاديًا بإذنه ومبشرًا ونذيرًا"، مضيفًا: "وفي القرآن قال (تعالى): "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ"، وهنا أمر بالتقوى والإصلاح، لأن تقوى الله (سبحانه وتعالى) يلزمها نفوس مطمئنة وأرواح هادئة ومجتمع مستقر، وهذا الأمر يحتاج لأن يرعاه فئة من أهل الإيمان بالسعي بين الناس بالمحبة وبث المودة ونبذ الفرقة والخلاف".

وتابع في حديثه لـ"فلسطين": "الإصلاح بين الناس عمل شريف وفاضل، وثوابه عند الله عظيم، وعاقبته الرضوان والعطاء الجزيل، كيف لا وهو من هداية الله لعباده المؤمنين؟!"، لافتًا إلى أن الله (سبحانه وتعالى) بين لنا أن الإصلاح بين الناس من تأييده (تعالى)، إذ قال في كتابه العزيز: "واذكروا نعمة الله عليكم إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا".

وبين زمارة أن الإصلاح بين الناس وظيفة المرسلين، وأن الرسول (عليه الصلاة والسلام) كان يرغّب في إصلاح ذات البين ويحث عليه، إذ ورد عن سهل بن سعد (رضي الله عنه) أن أهل قباءٍ اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذلك، فقال: "اذهبوا بنا نصلح بينهم".

وأشار إلى أنه (صلى الله عليه وسلم) بيَّن أن أفضل الصدقات الإصلاح بين الناس، فعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة"، قالوا: "بلى، يا رسول الله"، قال: "إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة".

يُرضي الله ورسوله

وبين زمارة أن من فضائل الصلح أنه عمل يُرضي الله ورسوله، إذ قال (صلى الله عليه وسلم) لأبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنه): "ألا أخبرك بعمل يُرضي الله ورسوله؟"، قال "نعم"، قال: "أصلح بين الناس إذا فسدوا، وقارب بينهم إذا تباعدوا".

وذكر أن الإصلاح بين الناس عام، فهو يكون في أحوال الناس كلها وفي جميع شؤون الحياة المادية والشخصية والأسرية، والمتعلقة بوجهات نظر بين دعاة وكتاب، وغير ذلك.

ونظرًا إلى أهمية الإصلاح بين الناس، وعظيم فضله أباح الشارع الحكيم لنا الكذب على المتخاصمين بهدف الإصلاح بينهم، مع أن الكذب من كبائر الذنوب، فالإسلام أباح للمصلح الذي يقصد الخير أن يكذب توسلًا إلى جمع الكلمة وقطع دابر الفساد، حسب حديثه، لافتًا إلا ما قالته أم كلثوم بنت عقبة (رضي الله عنها): إن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينوي خيرًا أو يقول خيرًا".

وبين زمارة أن المصلح بين الناس يصلح صلحًا لا يترتب عليه إحلال حرامٍ أو تحريم حلال، فإن الصلح جائز للمسلمين ما لم يكن فيه ارتكاب حرام، وتعطيل مباح، بل يجب أن يكون موافقًا للشرع، وعلى المصلح أن يختار الوقت المناسب، ويقطع الطريق عن النمامين والمفسدين بما يسعى فيه من الخير والصلاح.

ولفت إلى أنه من فقه الإصلاح بين الناس صلاح النية، وابتغاء مرضاة الله، وتجنب الأهواء الشخصية، والحرص على السرِّ والنجوى، إذ قال (تعالى): "وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"، وقال أيضا: "لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ".

وأشار إلى ما قاله ابن القيم (رحمه الله): "فالصلح الجائز بين المسلمين هو الذي يعتمد فيه رضا الله (سبحانه) ورضا الخصمين، فهذا أعدل الصلح وأحقه، وهو يعتمد العلم والعدل فيكون المصلح عالمًا بالوقائع".

وقال زمارة: "وهنا لابد أن نسير بالإصلاح بين الناس، وأن نذهب للمتخاصمين وننصحهم في الله، وأن نطرق أبوابهم ابتغاء مرضاة الله، ولابد لنا من اختيار الشخص المحبب إلى الخصوم من أجل إقناعهم، فمن الناس أناس مفاتيح للخير، وللقلوب أسرار وأقفال، ولهذه الأقفال مفاتيح من عباد الله".