يتطور تكتيك المقاومة الذي بات متصاعدًا كمًّا ونوعًا في الضفة الغربية حتى باتت الجغرافيا هدفًا، والسياسة مرتبطة بالأمن رسالة، والتنفيذ بهدوء وأمام الكاميرات والجنود غاية.
ما بعد عدوان الاحتلال على جنين ليس كما قبله، هكذا تم توصيف المشهد حينما قررت (إسرائيل) تغيير قواعد اللعبة التي عهدتها في الضفة الغربية طوال سنوات منذ عام ٢٠٠٧ برعاية الجنرال الأمريكي دايتون، الذي تولى الإشراف على أمن السلطة وإنتاج الفلسطيني الجديد.
وبالفعل بعد عدوان الاحتلال الفاشل على جنين وخلاله توعدت المقاومة بأن جغرافيتها توسعت مساحتها وأن التكتيك المتبع وهو الاستنزاف والمفاجأة والتوقيت سيبقى مرهقًا للاحتلال ومنظومته الأمنية.
اقرأ أيضًا: من “سيف القدس” إلى جنين.. وحدة الصف عزَّزت النصر
اقرأ أيضًا: ضمير غائب تجاه غزة وحاضر في جنين
ليُطرق باب وزير مالية حكومة الاحتلال سموترتش من خلال رجال المقاومة ويقتلون جنديًّا ويصيبون آخر بهدوء أعصاب وانتقال جغرافي من رام الله منفذا إلى "كدوميم" شمال الضفة الغربية.
ليتلوها طرق باب ليبرمان في مدخل مستوطنة "تكواع" حيث يقيم المتطرف "افيغدور ليبرمان" في مستوطنة ضمن تجمع "تكواع"، الذي أقر تجديد العقوبات الجماعية عام ٢٠١٥ باحتجاز جثامين الشهداء وهدم المنازل وسحب التصاريح والاعتقالات ومنع السفر لأهالي منفذي العمليات، فيصاب ثلاثة مستوطنين وتكون رسالة قوية تُفشل تلك السياسة.
وكان قبلها بأشهر الشهيد محمد الجعبري من الخليل الذي طرق باب مستوطنة "كريات أربع" الجاثمة على أراضي المواطنين شرق المدينة ليقتل جنديًا ويصيب المتطرف "عوفر" إصابة معيقة ويُسمع جاره في المستوطنة وزير الأمن القومي الإسرائيلي "ايتمار بن غفير" صوت رصاص المقاومة ونارها.
عملية طرق الأبواب التي وسعت دائرتها المقاومة في الضفة الغربية تشي بأن هناك إستراتيجيات وضعت بعد دراسة مشروع التحرير واستنزاف الاحتلال، فدلالات كثيرة تشير لذلك:
* حالة التسلح المنظم والإعداد في مخيم جنين تعتبر بقعة جغرافية تحت سيطرة المقاومة وعزز ذلك فشل قتال الشوارع الذي مارسته نخبة جيش الاحتلال باستخدامها كل التقنيات والطائرات المروحية المقاتلة وبدون طيار، والجرافات والصواريخ الموجهة والتكنولوجيا المسيرة وصمت أجهزة أمن السلطة وعدم التصدي لهم، ومع هذا لم تنجح العملية وأعطت المخيم خبرة وتصنيع عبوات وتجارب صواريخ وإعادة تسليح.
* توسُّع جغرافيا العمليات من طرق الأبواب برسائل سياسية إلى طرقها برسائل أمنية وجودية كما حدث في مستوطنة "عيلي" وكذلك حلميش وقبلها (تل أبيب) وبعدها "كرمي تسور" وحوارة والأغوار والظاهرية والسموع وكثير من التسلسل الجغرافي الرامي إلى تخفيف الضغط الأمني على مخيم جنين لتصعيد الإعداد وترتيبه وكذلك تشويش أمني واستنزاف وإشغال جغرافيا أخرى في الضفة الغربية.
* منعطف إستراتيجي وضعت المقاومة جهاز الشاباك الإسرائيلي فيه وبات في عنق الزجاجة وأي قرار دون دراسة لديهم سيكلفهم الكثير، إذ إن المقاومة وتطورها وقوتها وتسارع ضرباتها هشمت الردع ووسعت دائرة الأمن المهدور.
فالشاباك يحاول قدر المستطاع ألا يذهب لمربع إغلاق المحافظات وفصلها بالمكعبات والسواتر الترابية وهذا يعني أنه أمام خيارين أحلاهما مر.
الأول هو البقاء في حالة الاستنفار والتعقب وتحمل الثمن ولكن لدرجة معينة، حيث أن الأمن المهدور لا يمكن أن يتأقلم معه مشروع الاستيطان والمستوطنين.
الثاني هو العودة لخطتهم التي أنتجت الجدار العنصري في انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠ بإغلاق المدن بالسواتر الترابية وحتى فصل القرى عن بعضها بالمكعبات والبوابات الحديدية وغيرها، وهذا سيكون مكلفًا جدًا لهم ونتيجته انهيار السلطة الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقية أوسلو وتقوية الفصائل وأذرعها العسكرية وتوسع الحاضنة الشعبية، إذ إن العقوبات الجماعية تزيد الغضب المؤدي للفعل ورد الفعل.
وبالتالي هم في ورطة أمنية ليست سهلة وأي خطوة غير مدروسة لهم سيذهبون إلى مربع جديد قد تكون المقاومة هي التي تحدد فيه مسارات المرحلة.
وفي ظل معركة جنين ارتسمت ملامح جديدة باتت واقعًا غيّر الكثير من المعادلات، أهمها توسعة نفوذ المقاومة وتقوية جسور الثقة بين القيادة وكوادرها وكذلك الحاضنة الشعبية توسعت وضعف كليًّا وهمُ المشروع الوطني الذي تآكل بفعل الإقصاء الممارس من فريق السلطة، وكذلك تآكل بفعل انحسار دورها في التنسيق الأمني وعدم وجود حصاد سياسي، لذلك أبواب كثيرة تطرق هذه الأيام قد تتوسع إلى جبهات أخرى فيها طارق وفيها مجيب.