فلسطين أون لاين

بيت اللاجئ "فارس" في مخيم جرمانا السوري.. تذكرة عبودة للعودة

...
بيت اللاجئ الفلسطيني محمد علي فارس في مخيم جرمانا
دمشق-غزة/ مريم الشوبكي:

في كل زاوية من بيت اللاجئ الفلسطيني محمد علي فارس في مخيم جرمانا بالعاصمة السورية دمشق، تشم رائحة فلسطين، إذ يضج بمقتنيات تراثية تاريخية يفوق عمرها عمر الاحتلال الإسرائيلي، وغدا متحفًا يستقطب السائحين والجيل الفلسطيني الجديد.

فمنذ 40 عامًا تحول فارس من مقاوم يحمل سلاح، إلى مقاوم يحمل لواء الحفاظ على التاريخ والهوية الفلسطينية، إذ قرر وهو لم يكمل 18 من عمره أن يقتني كل ما هو فلسطيني بالغ في القدم.

بدأ فارس متحفه بعكاز جده المصنوع من خشب شجرة الدردار الذي يفوق عمره 100 عام، الذي جاء به من قرية الزوق التحتاني على بعد 27 كيلو متر عن مدينة صفد والمقام على أنقاضها مستوطنة "بيت إيل" حاليًا، وعجلات طمبور "عربة" كان يستخدمها الفلاحون للتنقل والنقل في فلسطين التاريخية.

ويقول الرجل البالغ من العمر 66 عامًا لـ"فلسطين: "خضت العمل الفدائي منذ العام 1979، وبعد تغير الأحوال، اتجهت نحو المقاومة بالمحافظة على التراث لمواجهة الهجمة الشرسة التي يقودها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، ويزيف التاريخ، وينسب كل ما هو تراث فلسطيني لنفسه".

متحف جرمانا السورية (5).jpeg


يقام بيت فارس على مساحة 100م2 تحول كله لمتحف يضم 1500 قطعة تراثية، منها ما هو نادر كبعض البسط التي حصل عليها من بئر السبع، وعكا، وتراب من أرض فلسطين، ويحاول إعطائها روح التراث باستخدامها في حياته اليومية، من أجل ترسيخ هذه الصورة في ذهن أبنائه والجيل الجديد.

والدخول مجاني للمتحف الذي يحمل اسم "البيت الوطني لإحياء التقاليد الفلسطينية"، ويضم مقتنيات فارس الشخصية وقطعًا اشتراها من لاجئين آخرين في سوريا.

ويضيف: "منزلي يعد مزارًا لكل فلسطيني مشتاق لرائحة وطنه من كبار السن، والشباب، والسياح، وكل من هو مهتم بالتراث، وكذلك لرحلات رياض الأطفال الذين أسعد بلقائهم أكثر من أي أشخاص آخرين لأزرع بهم حب فلسطين".

ويتابع فارس: "يوم استقبال الضيوف يتحول بيتي إلى ورشة إذ ينهمك أفراد الأسرة، وزوجتي، وحتى الجيران في مساعدتي بإخراج جميع القطع التي أحتفظ بها، ولا سيما ذات الأحجام الكبيرة والثقيلة، فلضيق المساحة أقوم بعرضها في الشارع، فيتحول الشارع إلى كرنفال تراثي يشارك فيه جميع أهالي المخيم، والضيوف".

ولا يزال فارس يحتفظ بحزام البطن الذي كانت ترتديه جدته في القرية قبل نكبة 1948 عامًا، وتستخدمه في أثناء ذهابها للحصيدة والرحى، وفي أثناء الولادة أيضًا، إضافة إلى مقتنيات البيت الفلسطيني القديم من الأواني والملاعق النحاسية، والهاون، وضوء الكاز، والصاج، والمذياع القديم الذي كان يوضع في بيت المختار، ويأتي أهالي القرية لسماع الأخبار عنده، وصندوق العروس الخشبي.

تذكرة للأجيال الشابة

ولدى سؤاله عن كيفية حصوله عن مقتنياته التراثية، يجيب: "بعضها حصلت عليه من أجدادي، وأخرى وصلتني كهدايا من لاجئين في كل مخيمات اللجوء بسوريا، وبعضها اشتريتها من سوق البلدة القديمة بدمشق.

ولم يتوقف شغف فارس باقتناء كل ما هو تراثي يشير للحياة الاجتماعية في فلسطين، بل عمل على أرشفة الذاكرة الفلسطينية عبر تسجيل مقاطع فيديو مع لاجئين من مدن، وقرى فلسطينية مختلفة رصد فيها عاداتهم وتقاليدهم قبل النكبة، وتفاصيل حياتهم اليومية، وظروفهم الاجتماعية، والاقتصادية قبل التهجير.

ويقول: إنه يحتفظ بعشرات الفيديوهات المؤرشفة للحياة في فلسطين المحتلة، مستنكرًا إهمال الجهات الرسمية، والمؤسسة الأهلية لهذا الأرشيف وعدم وجود معايير ووسائل لحفظه من الاندثار والضياع.

متحف جرمانا السورية (1).jpeg
 

وتمثل هذه المقتنيات بالنسبة لـ"فارس" باب أمل بالعودة وإنهاء الاحتلال من فلسطين، وإذ لا تلوح في الأفق حاليًا بوادر أمل بالعودة، يأمل في أن يكون المتحف تذكرة للأجيال الشابة ودعوة للتمسك بأراضيهم.

ويختم موجهًا رسالة للأجيال الفلسطينية الجديدة، بالقول: "لا تنسوا فلسطين لأن الصهاينة كانوا يتوقعون أن الكبار الذين شُردوا من فلسطين سيموتون والصغار ينسون، ولكن عبر الأحداث والثورات تبين أن الكبار يموتون والصغار يتمسكون بأرضهم".

وتمتد جذور فارس إلى بلدة صفد شمالي بحيرة طبريا، وفرت عائلته مع مئات الآلاف من الفلسطينيين الآخرين في حرب عام 1948 إبان احتلال فلسطين، إذ هُجر نحو 700 ألف فلسطيني قسريًا من بلداتهم الفلسطينية إلى سوريا والأردن ولبنان في أحداث النكبة المروعة في الفترة بين 1947 و1949، في حين بقي 165 ألفًا أصبحوا يعرفون الآن باسم "فلسطينيي الداخل المحتل".