"طمرة" من أقدم القرى في منطقة الجليل المحتل، وصفها زائروها بـ “قطعة من الجنة"، وظهر اسمها في وثائق تاريخية تعود للعهد الكنعاني، فهي ذات موقع جغرافي مميز لوقوعها على الطريق التجاري الساحلي، وقريبة من المدن الكبرى مثل عكا، ولكنها مهملة من الاحتلال الإسرائيلي، ولا تحظى بأي اهتمام.
آثار متنوعة
يبين رئيس الإدارة العامة في الحركة الإسلامية إبراهيم حجازي وابن "طمرة" أنها قرية قديمة، يعود تاريخ تأسيسها إلى آلاف السنين، وعُثر فيها على آثار ومقابر تعود إلى العصريْن النحاسي والبيزنطي، والعصر الروماني أيضًا، ويُقال إنّ اسم طمرة في أيّام العهد الروماني كان "كفر تيمارتا".
ويقول لصحيفة "فلسطين": "وبما أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمارس سياسة التهويد لكلّ ما هو فلسطيني، فقد عمدت سلطة الآثار الإسرائيلية إلى ردم الدلائل التاريخية من العصر البيزنطي في طمرة، كما صادرت بعض القطع الأثرية، ورغم المحاولات لنفي ماضي المدينة فهناك بعض المباني القديمة التي ما زالت موجودة حتى الوقت الحالي، وتُعد شاهدًا تاريخيًّا على عراقتها".
ويوضح حجازي أن أهميتها التاريخية تنبع من كثير من الوقائع التي يذكرها المؤرخون الفلسطينيون في طمرة، منها استشهاد شاعر ثورة البراق نوح إبراهيم فيها، حيث قضى نحبه خلال كمين للثوّار على أطراف مدينة طمرة القريبة من جبل الصنيبعة عام 1938م، ودُفن في المقبرة القديمة فيها، وما زال قبره موجودًا حتى الوقت الحالي".
وعن موقعها الجغرافي فهي –وفقاً لما يفيد حجازي- رابضة على الكتف الغربي لسفوح الجليل الأسفل، وتمتد نحو السهل الساحلي، "فمن موقع طمرة يمكنك رؤية حوض الخليج الممتد من حيفا إلى عكّا، مثل الصحن أمام ناظريك، وفي يوم صافٍ وبرؤية واضحة يمكنك تمييز السفن في عرض البحر، كما يمكنك الانكشاف على سفوح جبال الكرمل وسهول طمرة، حتّى جبال الجليل الأعلى من الشمال".
عدم الاستثمار
ويتابع حجازي حديثه: "لكن بكل أسف بسبب عدم الاعتناء بهذه الجماليّة فقدت هذه المنطقة رونقها، وهي خسارة كبيرة بسبب عدم استثمار مكانتها وخصوصيّتها".
والبلدة القديمة في طمرة فيها بيوت عامرة منذ مئات السنين، بنيت في العهد العثماني الإسلامي، إضافة للمسجد القديم وبعض الآثار التي تمتد إلى العصر النحاسي، أي ما يقارب 5000 سنة قبل الميلاد، وهناك بئر الطيرة عمرها مئات السنين، إضافة لآثار بيزنطيّة أخرى تعمّدت السلطة الإسرائيلية إخفاءها.
وهناك كثير من الصعوبات التي تفرضها سلطات الاحتلال على أهالي القرية، منها تضييق المسطحات الجغرافية المسموح بها بالبناء بحيث لا تسمح للناس في البناء في أراضيهم، كما لا تسارع في توسيع مسطّحات البلدة، ما أدى لكثير من الاكتظاظ، "صحيح أننا نصنَّف مدينةً حالياً، لكن لسوء وضع البنى التحتية لدينا التي لا تشبه نظيرتها في المدن الأخرى التي يسكنها المستوطنون، فهي أشبه بقرية كبيرة".
ويذكر حجازي أنها سُميّت “طمرة" بسبب كثرة أشجار النخيل فيها سابقًا، ونسبةً إلى ثمار التمر سُميت بتمرة بالتاء، أمّا الاسم الحالي طمرة بالطاء، فهو يعود كما تبين رواية أُخرى، لكثرة الآبار الّتي كنت تُطمر فيها الحبوب.
وعن المضايقات والمعاناة التي تتعرض لها المدينة، يقول حجازي:" يحدّها من الجنوب والشرق ثلاث مستوطنات، اقتطعت قسماً كبيراً من أراضيها، ومن الجهة الشمالية هنالك كسارة "نيشر" الّتي تحدّ من تطوّر البلد بحجج اعتباطية، أمّا من جهة الغرب فيحدها شارع 70 الذي يحصر امتدادها بهذا الاتجاه، وهكذا تكون البلدة محاصرة من كل الاتجاهات تقريبًا.
ويضيف حجازي: "معاناتنا في الأساس هي معاناة كل البلدات العربية في الداخل المحتل، من حيث التضييق وشحّ الميزانيات وغياب التخطيط والتطوير الشمولي، وفي هذه الفترة تعاني المدينة حالات عنف داخلي شديدة، بعد عام من الهدوء النسبي".
وبين أن "القائمة العربيّة الموحّدة" فعّلت وزنها وثقلها السياسي في المدينة، ونجحت بإلزام حكومة الاحتلال السابقة تفعيلَ خطّة حكومية أثبتت نجاحها لمحاربة هذه الآفة، لكن للأسف حكومة الاحتلال الحالية تتجاهل هذه القضيّة، بل وتسمح للجريمة بالانتشار دون أي رادع و"طمرة" تعاني جدًّا في هذا الجانب".
وأوضح أن الإهمال الحكومي للبلدات والقرى العربية في الداخل ومنها “طمرة" يتمثل في الأساس في انعدام الميزانيات للتطوير والتخطيط، فدولة الاحتلال لا تقصّر في طلب حقوقها من كل مواطن، لكنها تميز كثيرًا في حقوق المواطنين بين البلدات العربية واليهودية.
كذلك تعاني "طمرة" نسبة بطالة عالية، خاصّة بين الشباب، وانعدام وجود مناطق صناعيّة فاعلة وواسعة، وفقرًا في المرافق والتوعية الصحيّة، ما أدّى لانتشار أمراض عديدة، كالسكري والقلب وغيرهما.
ولضيق العيش في "طمرة" وغيرها من البلدات العربيّة، والصعوبة في ضمان مستقبل الأبناء، فإن نسبة الولادة في طمرة انخفضت بين الفلسطينيين، ووصلت إلى 2.9 طفل كل أسرة، في حين بلغت 3.1 في المجتمع اليهودي.