تعددت تفسيرات "عيب الشوم"، هذا المثل الذي يتردد في مجتمعنا، تباينت تفسيراته، لكن على اختلافها، تصب في خانة "العار"، وإن اختلفت معانيها، فما قصة هذا التعبير المثل؟
إذا كان "الشوم" هو تخفيف لكلمة "الشؤم”"، وهو الشر، عكس الفأل، فهو استنكار لشيء لا نحبّه، كما أن البعض يرى بأن “الشوم” هو نوع من الورد له رائحة كريهة ومزعجة إذا قمنا بتحريكه وهزّه شممناها، في حين اعتبر أحدهم أن "الشوم" مستوحى من كلمة إنجليزية، تعني العار، ويُقال إن “الشوم” هو نوع من أنواع الورد الجميل، يعيش في الصحراء، يحكى أنه في أحد الأيام كانت سيدة بدوية، تمشي مع صديقاتها في الصحراء، فوجدت وردة جميلة جدًا، فأخذت تتأملها وتداعبها بين يديها، بعد لحظات نظرت إلى ثوبها الأبيض، فوجدت عليه ألوان تلك الوردة، فحاولت تنظيفه دون جدوى، فغضبت وقالت: "ياعيب الشوم"، فالوردة كانت جميله، لكن عيبها أنها تفرز مادةً ملونه يصعب إزالتها، "شتان بين الوردة والوردة"، الورد الذي ينفث رائحة نتنة والورد الذي تعكسه الروح الثابتة القابضة على الجمر والزناد.
هكذا تنسمنا رائحة “جنين” الوردة الجميلة بعد أن رفعت رؤوسنا وشمخت عاليًا، اشرأبت بعنقها وتزينت بعنفوانها وشموخها فوقفت صامدة كالصخرة تحطم عليها الخذلان والخوف إلى أن حققت انتصارها وأصبح يغنى بها “جنين” في العلالي على رأس النشامى ومخرزًا في عين الأعادي، “جنين” كيد الأعادي وعز النشامى… "ياعيب الشوم".
اقرأ أيضًا: هل ينجح نتنياهو في إنقاذ السلطة الفلسطينية من الانهيار؟
اقرأ أيضًا: هل وافقت السلطة الفلسطينية على الشروط الإسرائيلية؟
إن صمود مخيم “جنين” أثار العديد من التناقضات، أدى إلى الفرز الواضح بين النهجين، المقاوم والمهادن المتخاذل، الذي ركب الأمواج العاتية التي عكستها المقاومة، بصموده البطولي أمام خزي الصهاينة ومحلليهم وإعلامهم واعترافهم بهزيمتهم، فبدا الفرز واضحًا وأصبح الاحتلال يخاف بأن ساعة الأجل قربت، وبدأ يضرب خبط عشواء فازدادت الجريمة في الأراضي المحتلة عام 1948م، وهدد الرعاة والصيادون والمزارعون وحرقت أشجارهم وهُدمت بيوت، إنها لعنة المقاومة عليهم، فجرت حقدهم خوفًا على مصيرهم الآتي أجل لا محالة، وما تشكيك ذوي القربى بالمقاومة، الصواريخ العبثية، التنكيّة، الحديدية، فتّاشات، ارحمونا احمونا نحن ضعفاء، ما هو إلا غثاء، أمام إرادة المقاومة وصمودها البطولي، فشتان بين الوردة والوردة.
منع انهيار السلطة الفلسطينية:
يا سلام، “الكابينت” يتبنى ويتبجح علنًا بأنه ينوي منع انهيار السلطة، فأعلنت سلطات الاحتلال الصهيوني وعلى الملأ مقابل تنازلات سياسية وحوافز مالية، ماذا يعني ذلك؟ عدوك يمنع انهيارك وأنت صاحب الأرض والحق الطبيعي في مقارعته ومقاومته حتى تنتزع حقوقك الغير قابلة للتفاوض ولا للنقاش أبدًا… ولا في التاريخ صارت إلا لمصلحته وخدمة أهدافه أمام تعاظم المقاومة في الضفة الغربية، وآخرها الملحمة الأسطورية لمخيم “جنين”، تذكرت وأنا أكتب هذه السطور، سطَى على مخيلتي، عز وعنفوان النضال والمقاومة، والمواجهة لرفاقنا وأسرانا بأمعائهم الخاوية، فقد كانوا يعمدون لهذه اللحظات التي وصلت إليها مقاوماتنا الباسلة في جميع المخيمات على اختلافها وتباعدها فكل له مكانته ووسائله الخاصة وما مخيم “جنين” إلا نموذجًا يبقى بوصلة حقيقية نحو النصر المبين، تذكرت “الشهيد عبد القادر أبو الفحم” عندما كنا نردد “أبو الفحم سطر أسطورة…”.
أبو الفحم سطر أسطورة/ كان لشعبي شعلة/ روحه في عسقلان وردة.
الأسير "أبو الفحم"، كما كتب عنه “فروانه”، يُعد أول شهيد للحركة الوطنية الأسيرة في الإضرابات عن الطعام، منح الإضراب الزخم والضجيج والنجاح، أصبح لسقوط الشهيد معنى عميقًا في وجدان الحركة الأسيرة، ومنذ تلك اللحظة، أصبحت العلاقة التي تربط الأسرى بمصلحة السجون الإسرائيلية قائمة على الدم والثأر، فتوالت الإضرابات بعد ذلك في إطار الصراع الدائر رحاه في ساحات السجون كافة، فكان إضراب “الحرية والكرامة” الذي انطلق في السابع عشر من نيسان/أبريل الماضي واستمر لـ 41 يومًا متواصلة بمشاركة أكثر من ألف وخمسمائة أسير فلسطيني آنذاك.
“أبو الفحم”.. أحب شعبه وحمل سلاحه وقاوم المحتل، فاعتقل واستمر في مقاومته ليشكل نموذجًا يُحتذى لمن عرفه ورافقه النضال وقاوم بجانبه المحتل، وشاركه آلام السجن ومواجهة السجان، فعاش بطلاً ومات شهيدًا وسيبقى رمزًا ليس للحركة الوطنية الأسيرة فحسب أو للثورة الفلسطينية المعاصرة فقط وإنما لكل أبناء شعبنا وأمتنا وأحرار العالم، "شتان بين الوردة والوردة"
تنازلات سياسية وحوافز مالية:
إن تبني ما يسمى المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية للاحتلال “الكابينيت” قرارًا يقضي بمنع انهيار السلطة، فالاحتلال سيعمل على منع انهيار السلطة الفلسطينية، مقابل شروط تضمن تبعيتها شبه الكاملة للاحتلال ومطالبة السلطة بوقف:
أنشطتها ضد الاحتلال في المحافل القضائية والسياسية الدولية.
التحريض في وسائل الإعلام ومناهج التعليم.
دفع المخصصات لعائلات المقاومين.
البناء غير القانوني في المنطقة المسماة “ج”.
بعيدًا عن ذكر تفاصيل الإجراءات التي لم يوضحها مكتب رئيس حكومة الاحتلال، وتعتزم حكومته اتخاذها لمنع انهيار السلطة، أشارت تقارير “إسرائيلية” إلى أن الحديث يدور حول إنشاء منطقة صناعية جديدة في جنوبي الضفة الغربية وهو اقتراح قديم طرحه بالفعل وزير الاقتصاد “إيلي كوهين” عام 2020م.
إضافة إلى خطة مالية تضمن: ضمان قروض، وتسوية ديون، وخصم على سعر الوقود، ومدفوعات ضرائب مسبقة، أي أموال المقاصة الفلسطينية، في إشارة لأموال، وتمديد ساعات عمل جسر اللنبي “معبر الكرامة "جسر الملك حسين"، وإعادة تصاريح كبار الشخصيات (Vip) لكبار المسؤولين في السلطة.
أخيرًا فان قرار سلطة الاحتلال الصهيوني، “الكابنيت”، اتخذ بأغلبية ثمانية وزراء، مقابل معارضة وزير واحد وامتناع آخر عن التصويت، هما ما يسمى “وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير"، ووزير المالية "بتسلئيل سموتريتش"، وعليه فإن تدخل سلطات الاحتلال لنفث سموم الفرقة والعداء بين الإخوة، حتى وإن استعملت سياساتها واقتصادها وأموالها وأمنها لعدم انهيار السلطة المسماة بالوطنية فهم إلى زوال و”ياعيب الشوم”.