والأمر ذاته ينطبق على شخصيات كبيرة مثل رئيس الحركة الإسلامية في مناطق الخط الأخضر الشيخ رائد صلاح، الذي اعتقل وسجن عدة شهورٍ بعد نجاح المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في تلفيق تهمٍ ضده تتعلق بالتحريض على الدولة وحكمت عليه بالسجن 28 شهرا.
ويأتي منع السفر إلى الخارج خطوة أخرى تتعامل بها المؤسسة الأمنية مع المؤثرين وكل شخص ترى أنه قادر على أن يحرك الشارع أو يؤثر فيه، لا سيما بعض الشخصيات ممن لا تستطيع فتح ملفات اتهام واضحة بحقهم. فالمنع من السفر يتم بموجب قانون الطوارئ لعام 1948 الذي لم ينته العمل به إلى اليوم في (إسرائيل) رغم مرور 75 سنةً على إقراره متزامنا مع حالة الحرب التي رافقت تأسيس دولة الاحتلال خلال نكبة عام 1948.
ورغم عدم وجود إحصائية دقيقة لعدد الممنوعين من السفر للخارج لمدد مختلفة من المقدسيين، فإن الشواهد والتقارير الإعلامية حول الاعتراضات التي يقدمها هؤلاء تشير إلى منع مئات المقدسيين من السفر للخارج. وصل الأمر ببعضهم إلى أن يمنع من السفر أكثر من 5 سنوات من دون إعطاء مبررات واضحة، حيث يكتفي قرار وزير الداخلية بمنع المقدسي من السفر عادةً بالقول إن سفره "خطر على أمن الدولة".
اقرأ أيضًا: حرب ترانسفير الشخصيات المقدسية في الميزان
اقرأ أيضًا: دولة الاحتلال تمنح مزيدًا من الغطاء لعصابات الإرهاب اليهودي
وتصل عملية "الترانسفير" ذروتها في إصدار أوامر منع بعض المقدسيين من السكن والوجود في القدس فترات مختلفة، وكانت سابقا تصدر في الغالب بالإبعاد عن البلدة القديمة فقط، لتتوسع في السنوات الأخيرة لتشمل الإبعاد عن مدينة القدس بالكامل بحدودها البلدية. وهذه القرارات تصدر عن قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي، والأغرب أنها تستند إلى قانون "الحالات الطارئة" لعام 1945، أي أنها تستند إلى قانونٍ انتدابي بريطاني صدر قبل إنشاء (إسرائيل) نفسها!
هذه الأخيرة تعد من أهم العمليات التي بدأت (إسرائيل) حديثا تتوسع في تطبيقها، ويمكن اعتبارها الذروة في عملية "الترانسفير الهادئ"؛ ذلك أن إصدار أمر إبعاد للمقدسي عن مدينة القدس بحدودها البلدية الكاملة يعني بالضرورة تمكن (إسرائيل) من فتح ملف إقامته في القدس، فمن المعروف أن (إسرائيل) أعلنت غداة نكسة 1967 ضم الأرض من دون السكان في شرقي القدس، واعتبرت المقدسيين مجرد "مقيمين أجانب" يقيمون في القدس بموجب بطاقات الهوية التي تعتبرها بطاقات إقامة، وتعدها قابلة للسحب والإلغاء في حال ثبت أن المقدسي أقام خارج مدينة القدس مدة 3 سنوات. فإذا تم منع المقدسي من دخول القدس، فإنه بعد 3 سنواتٍ يفقد حق إقامته في القدس تلقائيا ويمنع من السكن فيها ودخولها نهائيا، وهنا بيت القصيد.
كانت أول عملية من هذا القبيل بحق شخصيات فاعلة في القدس قد حصلت بحق نواب البرلمان الفلسطيني عن قائمة حماس ووزير القدس عام 2005، واعتبرت في ذلك الوقت سابقةً خطيرةً حملت أبعادا سياسية كبيرة، وتذرعت (إسرائيل) يومها بأن النواب والوزير ينتمون لمنظمة معادية لـ(إسرائيل) بعد مشاركتهم في الانتخابات باسم حركة حماس.
في السنوات الماضية، أصدرت (إسرائيل) عددا محدودا ومؤقتا من هذه الأوامر بحق عدد من الشبان المقدسيين، وبلغ عددهم نحو 40 شاباً، ولم تتم تغطية هذه القضية إعلاميا بما تشمله من خطر، إلا أن الأسابيع الماضية حملت تطورا لافتا تمثل في إصدار أمر إبعاد عن مدينة القدس كاملة بحق الشيخ ناجح بكيرات نائب مدير الأوقاف الإسلامية في القدس.
هذا التطور له أبعاده الكبيرة وتبعاته الخطيرة كذلك؛ فبكيرات يعد أول شخصية رسمية تتعرض لهذا الإبعاد، وهو شخصية ذات قوة وحضور شعبي من دون أن يكون له دور سياسي معروف لتتذرع به (إسرائيل) كما في حالة نواب ووزير القدس. وهذا يعني أن (إسرائيل) تفتح الباب على مصراعيه الآن لإبعاد أية شخصيات فاعلة وإن كانت ذات منصب رسمي في دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس. وهذا الأمر يشير بالضرورة إلى أن (إسرائيل) تمد قدميها الآن نحو إجراءاتٍ عملية من شأنها لاحقا إلغاء الاعتراف بدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس وإنهاء قوة أية شخصية جماهيرية أو رسميةٍ في القدس، وهو ما يعني تحركا إضافيا نحو تفريغ القدس من القيادات الجماهيرية؛ سعيا لتفريغها من الجمهور المقدسي نفسه.