فلسطين أون لاين

هل أخطأ الشهيد د. عبد العزيز الرنتيسي؟

قبل 24 سنة، بتاريخ 20/7/1999، كنت أقدم للدكتور عبد العزيز الرنتيسي واجب العزاء بوفاة والدته، رحمهما الله، يومها رن هاتف د. عبد العزيز أكثر من مرة، وكان المتصلون به من سكان الضفة الغربية، كما قال لنا، وكما عبرت عن ذلك ملامح وجهه الباسم للمتصلين به، حتى جاءه الاتصال الأخير، الذي انقبضت معه ملامح وجه الدكتور، وتمتم بكلمات مضمونها الموافقة.

كان المتصل الأخير هو اللواء غازي الجبالي المدير العام للشرطة في ذلك الوقت، وقد طلب من الدكتور عبد العزيز الرنتيسي تسليم نفسه إلى مقر الشرطة، فقد انتهت المدة التي سمح له فيها بالمشاركة في مراسيم عزاء والدته.

لم يعترض الدكتور عبد العزيز، سلم نفسه إلى السجن الفلسطيني دون أن يحدث أي ضجة أو تمرد، سلم نفسه للسجن، وهو يعرف أهمية وجوده بين أهله وقومه، ولكنه التزم بالفترة الزمنية التي حددها له غازي الجبالي، للمشاركة في دفن والدته، وتقبل التعازي من الأقارب والجيران.

بعد سنة تقريبًا، ومع انتفاضة الأقصى سنة 2000، خرج د. عبد العزيز الرنتيسي وأمثاله من سجون السلطة الفلسطينية، ومارس حياته الاجتماعية والجهادية بحذر شديد، وتحت تهديد الاعتقال بين فترة وأخرى، حتى جاء يوم 28/11/2001، يومها أرسلت قيادة الشرطة الفلسطينية تبليغًا للدكتور عبد العزيز الرنتيسي بتسليم نفسه، فرفض التنفيذ، وأصر على أن يظل حرًا، يمارس دوره في الجهاد بين رجاله ومقاتليه.

وعند المساء، تحركت عدة عربات من الشرطة الفلسطينية، وبالتعاون مع العديد من الأجهزة الأمنية، وحاصروا البيت الذي يسكن فيه الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، في حي الشيخ رضوان من غزة، بهدف اعتقال الدكتور بالقوة.

اقرأ أيضًا: ما من صيغة سياسية صهيونية يمكن أن تفيد الفلسطينيين

اقرأ أيضًا: المقاومة تدمر المركبة "الفهد" والسلطة تواصل العبث

يومها لعلع الرصاص، وزغرد الرشاش من داخل البيت، الذي يقيم فيه الدكتور عبد العزيز، لتكتشف قوة الأجهزة الأمنية أنها محاصرة بنيران المقاومة، يومها لم يقتل أحد، ولم يصب أحد بجراح، لقد انطلقت الرصاصات التحذيرية في الهواء، فأجبرت العشرات من قوات الأجهزة الأمنية على الفرار، وتكسير الأوامر، لمجرد سماع دوي الرصاص، فهم ينفذون مهمة قذرة، غير مقتنعين بتنفيذها.

في ذلك اليوم، قال د. عبد العزيز الرنتيسي: من الآن فصاعدًا لا للاعتقال، لن نسلم أنفسنا لمن ينسقون ويتعاونون أمنيًا مع المحتلين، لن نقبع في سجون السلطة، ونترك أهلنا يواجهون المحتل دون مشاركتنا، نحن في قلب المعركة مع العدو، ومن يحاول اعتقالنا، هو شريك لعدونا، ومن يحاول أن يثنينا عن مقاومة العدو، هو عدو، ولن يكون صديقًا.

ذاك اليوم ظل محفورًا في الذاكرة الفلسطينية، لأنه جسَّد الميلاد للوحدة الوطنية الميدانية، لتمارس التنظيمات حقها في مقاومة المحتل بشكل عملي وعلني، في ذلك اليوم، حسمت معركة الاعتقالات بالرصاص، في ذلك اليوم، لم ينتزع الدكتور عبد العزيز حريته الشخصية، وإنما انتزع حرية الوطن فلسطين، وهو ينتزع حرية المقاومة من خلف زنازين غازي الجبالي، في ذلك اليوم انجلت الحقيقة، واكتشفت قيادة التنسيق والتعاون الأمني أن جل الضباط والمجندين في الأجهزة الأمنية، قد انحازوا إلى صف المقاومة، ورفضوا تنفيذ تعليمات وأوامر قيادة تقدس التنسيق والتعاون الأمني.

استرجعت من الذاكرة موقف الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي من الاعتقال، وأنا أستمع لبيانات الرفض للاعتقال في الضفة الغربية، بيانات صدرت عن كل التنظيمات الفلسطينية، بيانات تدين، وتشجب، وتستنكر الاعتقال، الذي طال النشطاء والمقاومين، والمحررين، والمبعدين لمرج الزهور، اعتقالات طالت أسر الشهداء وأهالي السجناء الفلسطينيين، اعتقالات طالت الشباب والشيوخ، من شمال الضفة الغربية وحتى جنوبها، اعتقالات لن تتوقف ببيانات الشجب الصادرة عن التنظيمات، وإنما بالمواقف الميدانية والعملية، التي تحاكي الحنين الذي يعبأ صدر آلاف الشباب الفلسطيني، العاملين مع الأجهزة الأمنية، وكلهم جاهز لأن يكون في قلب المقاومة للعدو الإسرائيلي، شرط أن يتوفر د. عبد العزيز الرنتيسي، وأمثاله كثر في الضفة الغربية.