يُعد العمل سائقًا عموميًّا لمواطن من قرية "الساوية" أمرًا مرهقًا ومليئًا بمخاطر التعرض للقتل أو الإصابة من جيش الاحتلال ومستوطنيه، إلى جانب تحديات العمر الذي يمضي على "قائمة الانتظار" لساعات طويلة رهن إشارة جندي يشهر سلاحه في وجه العابرين.
كل ما سبق عايشه ويعايشه السائق الخمسيني نادر الساوية منذ قرابة 25 عامًا هو عمر عمله سائقًا عموميًّا على طريق الساوية – نابلس، حيث ينقل الركاب من القرية إلى المدينة وقراها، ومدنٍ أخرى بالضفة الغربية المحتلة.
ففي كل صباح يستيقظ "نادر" متأهبًا لسيناريوهات مختلفة، فقد يكون الطريق مغلقًا أو يُفاجأ بحواجز طيارة لجيش الاحتلال تجبره على الوقوف ساعات طويلة في برد الشتاء أو داخل كابينة المركبة في أيام الصيف اللاهبة كما هو الحال هذه الأيام، أو قد يضطر لكسر صيامه في يوم رمضاني في منتصف طريق التفافي بعد عناء وجهد طويلين، فالطريق التي تحتاج لـ10 دقائق فقط قد تُكلّفه ساعاتٍ كثيرة من وقته.
أما السيناريو الآخر فهو البحث عن طرق بديلة أصبح خبيرًا بها خلال سني عمله الطويلة، لكنها مرهقة وتستغرق جهدًا ووقتًا وتكلفة أكبر ومحفوفة بالمخاطر، إذ عليه السير في منطقة مزروعة بالمستوطنات من كل زاويةٍ منها.
واليوم الذي يَعدُّ "نادر" فيه نفسه محظوظًا فهو أن يتمكن من توصيل ركابه في الوقت المناسب وهو ما لا يحدث إلا نادرًا، "فلقمة العيش هنا مغمسةٌ بالدم، فحياتي الاجتماعية شبه ملغاة لأنّ مواعيدي ليست بيدي".
ولا تقف معاناة الرجل عند هذا الحد، فوقوع منزله على الطريق العام للقرية، يجعله عرضة لاعتداءات المستوطنين الذين يستخدمون الطريق ذاته للمواطنين الفلسطينيين.
ويقول: "في الأوقات التي تشهد فيها نابلس اشتباكات أو عمليات فدائية كما حدث مؤخرًا في مستوطنة عيلي، لا تعرف عيوننا النوم حتى بزوغ الشمس خشية غدر المستوطنين".
اعتداءات مسلحة
ويتابع: "يبقى كبار السنّ إلى جوار بيوتهم التي تقع في منطقة منخفضة، في حين يعتلي الشباب المنطقة المرتفعة المجاورة لنا، ونبقى على تواصل عبر الهواتف النقالة لرصد أيّ تحرك للمستوطنين باتجاهنا كي نتصدّى لهم".
والمستوطنون المجاورون لقرية "الساوية" مدججون بالأسلحة، ويعيشون تحت حماية جيش الاحتلال، "وينتهكون أمام أعين الجنود حرمات منازلنا وممتلكاتنا ويعيثون فيها خرابًا وتدميرًا، فقد سرقوا مشتلًا وبقالة مجاوريْن لمنزلي عدة مرات، ودمّروا عددًا من السيارات، ولم تفعل لهم قوات الاحتلال شيئًا، حتى المزارعون لا يستطيعون الحركة، بأمان فمؤخرًا استفردوا بأحد المزارعين واعتدوا عليه بالضرب المبرح، ودمّروا سيارته".
والحال في "الساوية" و"اللبن الشرقية" المجاورة واحد، كما يقول السائق نادر، إذ يُمارس المستوطنون طقوسهم العُدوانية هنا وهناك في الوقت ذاته، "لكنّ الإعلام يُركّز على جارتنا اللبن بشكل أكبر".
ويمضي بالقول: "جميعنا نفتقد الأمان والراحة في حياتنا، ولا سيما في ظلّ قطعان المستوطنين رغم أنّ طريق الساوية قرى نابلس بمدن الضفة الغربية المختلفة خاصة القدس المحتلة".
ويُبيّن أنّ الاستيطان التهم أغلبية أرض القرية، في هذه الأيام يُجرّف مستوطنو مستوطنة "رحاليم" أرض "الشولي" تمهيدًا لمصادرتها، "ولا ندري هل سيزرعون فيها أو سيبنون وحدات استيطانية جديدة".
حصار استيطاني
من جانبه يقول رئيس المجلس القروي محمود حسن، إنّ الاستيطان حول "الساوية" من قرية زراعية لأرض قاحلة، بعد أن سلب الاستيطان معظم أراضيها البالغة مساحتها 11 ألف دونم، "ولا يسمح لنا بالبناء سوى في مخطط هيكلي محدود جدًّا، فمستوطنة رحاليم تحاصرنا من جهة الشمال، ومن الشرق تُسيطر مستوطنة "عيلي" على سبعة تلال تابعة للساوية والقرى المجاورة لها".
وتحرم اعتداءات المستوطنين أهالي "الساوية" من الراحة النفسية فهم يُجرّفون أراضيها ويُطلقون خنازيرهم التي تقضي على المحاصيل الزراعية تحت رعاية جيش الاحتلال.
ويرى حسن أنّ الهدف من كلّ ذلك دفْع المواطنين إلى العزوف عن الزراعة، "وهذا ما تَحقّق لهم، فقد قضوا على أغلب الأراضي الزراعية، فبعد أن كانت القرية تنتج في العام الواحد قرابة 40 طنًّا من التين، اليوم لم تعد تنتج أيّ كيلو من هذه الثمار الصيفية".
نفتقد ماء الشرب
أما إنتاج الزيتون فقد انخفض إلى الثلث، وتحوّل سهل الساوية الذي يمتد على مساحة 100 دونم من واحة خضراء طوال العام إلى أرض مقفرة لا ينبت فيها الزرع سوى في الشتاء، "فأهل القرية لم يعودوا يمتلكون الماء للشرب، فما بالك للزراعة؟!"، يقول حسن.
ووفق التقسيم الإداري للأراضي الفلسطينية المحتلة، تقع معظم أراضي الساوية ضمن مناطق (ج)، وفيها تقع الأراضي الزراعية ولا يمكن للمزارعين الوصول إليها إلا بإذن سابق مما تسمى "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال، إذ يُسمح للمزارعين بالوصول إلى أراضيهم في أيام معدودة خلال العام، وفي مواعيد غير مناسبة للحراثة والاعتناء بالأشجار ما يؤثر سلبيًّا في خصوبتها وإنتاجيّتها.
ويفيد حسن بأنّ حوالي 600 دونم تقع ضمن المناطق (ب) التي يُسمح للأهالي بالتوسع والبناء فيها، مشيرًا إلى أنّ سلطات الاحتلال سلمت العديد من بيوت القرية إخطارات بالهدم ووقف البناء للعديد بزعم وقوعها في نطاق المناطق (ج)، ما يُضيّق الخناق على سكان الساوية الذين يعانون الاكتظاظ الكبير في المنطقة المسموح بالتمدد الديموغرافي والعمراني عليها.
ويلفت إلى أنّ المستوطنين قاموا منذ ستة أشهر بتحطيم الأنابيب التي تُوصل المياه للمواطنين من نبع القرية الرئيس، ما جعلهم يعانون شُحًّا في المياه، وحتى الآن لم يسمح الجيش للمجلس القروي بتجديد أو إصلاح خطوط المياه.