وجدت الفتاة الغزية نزهة أبو الليل ضالتها في إعانة ذوي الإعاقة الذين لطالما حلمت بمد يد العون لهم والمساعدة في التخفيف من معاناتهم.
فمنذ عام ونصف تقريبًا تتطوع نزهة ضمن مبادرة "أنيس" لتسجيل الكتب للمكفوفين ليتسنى لهم الحصول على قسط من الثقافة العامة التي لا توفرها المكتبات.
"نزهة" فتاة عشرينية لم تتمكن من الالتحاق بالجامعة بعد، ما جعل لديها وقت فراغ كبير أحبت أن تشغله بالتطوع في أمور مفيدة، إلى أنْ وجدت صدفةً منشورًا عبر منصة "فيسبوك" يروج للمبادرة.
وقد سارعت الفتاة التي تسكن شمال قطاع غزة للانضمام إلى المبادرة بعد أن حظيت أهدافها باهتمامها لتحقق أكثر من هدف في نفسها -كما تقول-، "فمنذ صغري وأنا مهتمة بواقع ذوي الإعاقة والمكفوفين منهم وقدرتهم على تجاوز صعوبات الحياة سواء في التعليم أو التنقل أو قضاء حوائجهم".
عمل منظم
أما الصحفية رشا فرحات من غزة فهي الأخرى تعثرت بالإعلان نفسه على إحدى المجموعات النسائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يطلب فيه التطوع ضمن المبادرة، فأُعجبت بالفكرة لأنها تدرك ما يعانيه المكفوفون في الوصول للكتب وقراءتها.
وبالرغم من انشغالها بوظيفتها وحياتها الأسرية إلا أنها تجعل لـ"أنيس" أولوية في جدول أعمالها الأسبوعي إذ تُكلف أسبوعيًا بمهمة تسجيلية أو مطبوعة.
وتبين أن العمل في المبادرة "منظم جدًا" إذ يقسم الكتاب الواحد بين مجموعة متطوعين، ويُطلب من كل متطوع إما أنْ يحول الجزء المكلف به لنص مكتوب عبر الحاسوب "وورد" أو تسجيله بصوته.
وفي الحالتين فإنّ الأمريْن لا يُمثلان أي مشقة بالنسبة لـ"فرحات" فالطباعة لا تستغرق وقتًا طويلًا بالنسبة لها، لكونها صحفية متمرسة وتجيد وظائف الحاسوب الكتابية، "فأستقطع من وقتي ربع ساعة يوميًا أنجز فيها ثلاث صفحات كاملة، كما أنني لدي خبرة جيدة في التسجيل الصوتي".
و"فرحات" لديها شغف في أي مجال تطوعي متعلق بالكتب ونشر المعرفة، وفق قولها، وهو ما وجدته في "أنيس" التي تطبع وتسجل من خلالها كتبًا دراسية وجامعية وروايات وكتب علمية وتاريخية وكل ما يطلبه الكفيف، وهي متطوعةٌ معهم منذ عامين تقريبًا.
مبادرة عربية
وخرجت المبادرة للنور عام 2020م على يد مجموعة من الشباب الذين كانوا طلبة حينذاك في الجامعة الأردنية يدرسون تخصصات مختلفة بهدف مساعدة الطلبة من ذوي الإعاقة، وفق المسؤول العام عن المبادرة جبريل الهباهبة.
ولكونهم شهود عيان على ما يعانيه الطلبة ذوي الإعاقة خاصة المكفوفين منهم في الوصول للكتب الدراسية والمراجع، قرروا أن يطلقوا مبادرة تقوم على تسهيل وصول هؤلاء الطلبة لمصادر المعرفة وأسموها "أنيس".
يقول الهباهبة: "البداية كانت من خلالي أنا وثلاثة من زملائي من كليات مختلفة، لنكون عونًا للطلاب المكفوفين الذين يعانون في الدراسة وحتى في تقديم الامتحانات إذ إنهم بحاجة لمرافق وأحيانًا لا يجدونه".
ويوضح أن الفكرة قامت بدايةً على أن مرافقة المكفوفين في اختباراتهم وتحويل الكتب لنصوص مطبوعة أو تسجيلية يمكن للكفيف التعامل معها بسهولة، "لكن واجهتنا مشكلة اختلاف الكتب بين مدرس وآخر لنفس المادة في الجامعة ذاتها، أو تغيير الطبعات من فصلٍ لآخر".
وهنا قرر القائمون على المبادرة تغيير خط عملهم بفتح المجال أمام الكفيف للتواصل معهم عبر منصتي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"واتساب" وتزويدهم باسم الكتاب الذي يريد منهم أنْ يساعدوه في تصفحه، "أي كتاب سواء كان الكفيف طالب مدرسة أو جامعة أو يجري بحثًا علميًا أو حتى يرغب بالاطلاع على أي كتاب ثقافي فنحن نساعده في ذلك"، يضيف الهباهبة.
ويشير إلى أنهم يعملون وفق رغبة الكفيف فإذا طلب الكتاب نصًا مطبوعًا كان له ما أراد وإذا أراده مسجَّلًا صوتياً نفعل له ذلك، "فالنص المطبوع عبر الوورد يستطيع الكفيف أن يحوله بسهولة للغة بريل، أو يقرأه عبر القارئ الآلي في الهاتف المحمول".
تقسيم المهام
وفي حالة كان حجم الكتاب كبيرًا أو كان مرجعًا علميًا، يُقسّم الكتاب لأجزاء ويوزع على عدة سفراء (متطوعين) يبلغ عددهم حتى الآن 355 حول العالم، "غالبًا لا نكلف المتطوع الواحد بأكثر من عشر صفحات في الأسبوع الواحد فلا يكون عبئًا كبيرًا، فبعض الكتب يكون عدد ورقاتها 700 صفحة".
وتتنوع الكتب التي يطلبها المكفوفون بين كتب أدبية وعلوم شرعية وأحيانًا علمية كالفيزياء والكيمياء وأخرى ثقافية، "المجال مفتوح للكفيف ليطلب الكتاب الذي يريد وكذلك المجال مفتوح للمتطوعين من كل أنحاء العالم، حيث لدينا متطوعون من عشرين دولة أغلبها عربية".
وبمجرد تسلم طلب تطوع من أي شخص فإنه يتم إخضاعه لمهمة تدريبية، فإذا اجتازها يتم إلحاقه بالفريق، "فنحن نبحث عن فريق متقن لمهامه، ونخضع العمل الذي ينجزه لخمس مراحل من التدقيق لتلافي الأخطاء".