لم يكن أمام منى قاسم من خيار سوى البيع المؤلم لأثاث منزلها، لكي تتمكن من تلبية احتياجات عائلتها المؤلفة من 11 فردًا بعد أن ضاقت بهم الأحوال المالية منذ رحيل "سند البيت" في عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014.
وتندرج عائلة قاسم ضمن 1833 عائلة شهداء قضى ذووهم في العدوان عام 2014، إذ تنتظر بفارغ الصبر توقيع قرار من رئيس السلطة محمود عباس، لصرف الرواتب المتأخرة وفقًا للوائح الداخلية لمنظمة التحرير.
تعبّر السيدة قاسم، في حديثها لصحيفة "فلسطين"، عن مأزقها المالي القاتل، إذ لا تملك مصدرًا للدخل تعيل به أبناءها وتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية، إضافة إلى صعوبتها في الحصول على الدواء الذي تحتاجه، نظرًا لمعاناتها من مشكلات صحية تشمل ارتفاع ضغط الدم وانسدادًا في 3 صمامات بالقلب، ما يستدعي تركيب دعامة طبية وفقًا لتشخيص الأطباء.
وقالت بحرقة: "كنا نأمل أن تصرف السلطة راتبًا لزوجي كي نعيش حياة كريمة، لكن دون جدوى فتسعة أعوام مرت دون أن نتلقى أي راتب".
اقرأ أيضاً: اتخذت قرارات مهمة.. "العمل الحكومي" تقرر صرف دفعة مالية لأسر شهداء 2014
حرصت قاسم على المشاركة في اعتصامات متكررة أمام مقر مؤسسة أهالي الشهداء والجرحى، لكن مرارة اليأس وضيق الحالة المالية جعلتها تتخذ إجراءً يائسًا تمثل بسكب مادة "البنزين" شديدة الاشتعال على جسدها، ثم تعلقت بإحدى المشانق خلال الاعتصام، بهدف لفت الانتباه والحصول على راتب زوجها المستحق.
كما أعربت نجاح موسى، والدة الشهيد صالح، عن استياءها من عدم استجابة السلطة في رام الله لمطالبهم بصرف رواتبهم المستحقة على مدار السنوات التسع الماضية.
وأفادت لصحيفة "فلسطين" أنهم نظموا مئات الاعتصامات في محاولة لجذب الانتباه والمطالبة بحقوقهم، ولكنهم لم يجدوا استجابة من الجهات المعنية، وأشارت إلى أنهم يشعرون بالإحباط وكأنهم ينفخون في الرماد، إذ لا يوجد أي تحسن في وضعهم المالي والمعيشي.
وأكدت موسى أن الأهالي علقوا اعتصاماتهم أمام مؤسسة أهالي الشهداء نظرًا لعدم استجابة الجهات المعنية لمطالبهم، وبدلًا من ذلك، يحاولون توفير أجرة المواصلات واستخدامها لتوفير احتياجات أبناء الشهيد الأربعة.
وأشارت إلى أنه في الأشهر الثلاثة الأولى بعد استشهاد ابنها، كانوا يتلقون مخصصات مالية نظرًا لوظيفته كموظف في جهاز "الحرس الرئاسي"، وهذه المخصصات كانت تعود لتاريخ 2005م. ومع ذلك، نُقل ملفه لاحقا إلى مؤسسة رعاية أسر الشهداء ومنذ ذلك الحين لم يتلقوا أي راتب.
اقرأ أيضاً: التنمية بغزة: الثلاثاء المقبل صرف مساعدة نقدية لذوي شهداء 2014
وذكرت موسى أنه بعد استشهاد نجلها الوحيد، بات زوجها يعاني أمراضًا عدة، مؤكدةً أن أهالي الشهداء يعانون أشد ألوان العذاب وباتوا غير قادرين على توفير احتياجاتهم.
أم علي القايض تندب مأساة فقدان ثلاثة من أبنائها الشهداء، اثنان منهم استشهدوا في عدوان 2014، والآخر في عام 2003.
قالت لصحيفة فلسطين: "طوال السنوات التسعة الماضية لم نترك بابًا إلا وطرقناه من أجل الحصول على مخصصاتنا المالية ولكن دون جدوى".
وثمنت في الوقت ذاته جهود لجنة متابعة العمل الحكومي في قطاع غزة، التي صرفت مساعدات مالية لأسر شهداء وجرحى 2014م، في الفترات الماضية.
وطالبت منظمة التحرير، بصرف رواتب أهالي الشهداء، والتوقف عن المماطلة والتسويف باتجاه إنهاء معاناتهم، متسائلة: "ما الذنب الذي ارتكبه الأهالي كي لا تصرف رواتبهم منذ تسعة أعوام ؟!، وأين أنتم من معاناتنا؟!".
وأكدت القايض أن أرامل وأمهات الشهداء يعانين ظروفًا اقتصاديةً صعبةً للغاية، إذ بات بعضهن غير قادرات على توفير المعيشة الكافية لأطفالهن بسبب تأخر صرف شيكات الشؤون الاجتماعية وتوقف كفالات الأيتام التي كنّ يعتمدن عليها لتلبية احتياجات أبنائهن.
وأضافت: "الحق لا يسقط بالتقادم ولن نتخلى عن حقوقنا".
معاناة مستمرة
وأكد الأمين العام للجنة الوطنية لأهالي الشهداء والجرحى ماهر بدوي، أن أهالي شهداء العدوان في عام 2014 لم يتلقوا أي مخصصات مالية منذ تسع سنوات، ووصف استمرار تجاهل صرف مخصصاتهم بأنه ظلم شديد.
واستغرب بدوي في حديثه لصحيفة "فلسطين" من موقف منظمة التحرير التي لم تصرف رواتب شهداء العدوان في عام 2014. وأشار إلى أن الأهالي نظموا طوال السنوات الماضية سلسلة من الاعتصامات والاحتجاجات للمطالبة بصرف مخصصاتهم المالية وإنهاء معاناتهم، لكن لم يُستجب لمطالبهم.
ونبه إلى أن الأهالي تلقوا العديد من الوعود بالاستجابة لمطالبهم، ولكنها لم تتحقق.
وأشار إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية لأهالي الشهداء في ظل الصعوبات التي يواجهونها لتوفير احتياجات أسرهم بعد استشهاد معيليهم، مؤكدًا أهمية دعم الشعب الفلسطيني لهم حتى تُصرف رواتبهم ومخصصاتهم المالية.