العطاء ومساعدة الآخرين هي من الصفات الإيجابية، ولكن المبالغة في ذلك ليست بالأمر الإيجابي، لأنه قد ينعكس عليك سلبًا ويجعلك في حالة توتر دائمة، ويمكن أن يحول بيتك إلى ساحة للخلافات التي لا تنتهي.
إذا كنت تمتلك تلك الشخصية وتميل إلى حب مساعدة الآخر بإفراط أو مبالغة فأنت مصاب بـ"عقدة المنقذ" أو "المخلص"، أو متلازمة "الفارس الأبيض"، وعليك أن تراجع حساباتك.
فسهى تبحث منذ 15 عامًا عن وسيلة للتعايش مع زوجها الذي يظهر طيبةً وتعاطفًا كبيرين مع أصدقائه والمحيط الخارجي ويده مفتوحة لهم، ولديه استعداد للاستدانة من أجل مساعدتهم وقضاء جل وقته في حل مشكلاتهم، أما في بيته فهو مفتعل للمشكلات ويحرمها المال الذي ينفقه في الخارج، وفق قولها.
وتضيف سهى "اسم مستعار" لـ"فلسطين": "حاولت بكل الطرق الحديث معه بأن إعطاء الناس جل وقته وماله يؤثر على حياتنا ويجعلنا في ضائقة مالية لا تنتهي، وكل من يتعامل معه في الخارج يسميه بالمختار ولكنه في البيت ليس لديه أي استعداد لسماع مشكلات أطفاله أو الإنفاق عليهم، ودائمًا يضع كل حمل البيت عليّ".
وتتابع: "حياتنا أصبحت مثل الحرب البادرة، مللت من الدخول بنقاشات معه.
يخاصمني بالأيام حتى طلبات أطفاله اليومية أؤديها بنفسي، ويرفض منحي المال بدعوى أنه مديون لأنه ساعد صاحبه أو إخوته وهم ليسوا بعازة لذلك المال، ويرفض تمامًا طلب الدَّيْن لأنه يحب الظهور دائمًا بصورة المنقذ الذي لا يهمه المال".
وتردف: "المصيبة الأكبر عند مواجهتي لمشكلة أو ظلم من أحد، يرفض قطعيًا التدخل لإنصافي، بل يكيلني بسيل من الشتائم، لأن من وجهة نظره بأنني قد فضحته أمام الآخرين بسوء أفعالي".
توقَّفت وقرَّرت
والعطاء غير المتوازن كان سلوكًا تفعله نداء درويش لسنوات طويلة، حتى أصابتها المتاعب وتدهورت صحتها، وتخلَّى عنها عدد ممن كانت تعدهم صديقات.
ودرويش ربة بيت تعيل 5 أطفال، وهي البنت الأكبر بين إخوتها، وساهم ذلك في جعلها تعطي دون تفكير.
تقول لـ"فلسطين": "بيتي مفتوح للجميع من إخوة وأخوات وصديقات، أتشبع طاقة سلبية من المشكلات التي أسمعها، وفي كثير من الأحيان أُصاب بالأرق تفكيرًا بحلها، وينعكس الأمر على حياتي الزوجية".
وتتابع: "نقطة الفصل في حياتي حينما تعرَّضت لمشكلة كبيرة، وعندما طلبت نصيحة أو مساعدة من صديقاتي وبعض الأقارب وجدت نفسي أواجه مشكلاتي لوحدي، والمعظم تخلَّى عني، حينها أيقنت أنهم استنفذوني لآخر رمق، وعندما انتهت مصالحهم تركوني وحيدة، فقرَّرت أن أضع كل جهدي لتربية أطفالي، وأعدت حساباتي تجاه مساعدة الناس دون أن يؤثر على حياتي، وصحتي".
ومن جهتها تبين الاختصاصية النفسية كفاية بركة أن "متلازمة الفارس الأبيض" تطلق على الأشخاص الذين لديهم حب للعطاء، وتقديم المساعدة للآخرين، وهذا الأمر يبدو إيجابيًا "ولكن إذا كنت تمنحه بغير توازن فستتسبب لنفسك بالأذى".
وتوضح بركة لـ"فلسطين" أن من يتصفون بـ"عقد المنقذ" يلجؤون لتلك الاستراتيجية بعد خوضهم لمأساة، وظروف صعبة في طفولتهم دفعتهم نحو العطاء السلبي، كتعرّضهم للعنف والتفكك الأسري أو حرمان عاطفي.
سمات شخصية
وتلفت إلى أن هناك سمات شخصية تجعل الشخص ينجذب للأشخاص المأساويين، والذين يعانون الألم من نقاط ضعف في جانب ما، يصادقون أشخاصًا لديهم نفس المشكلة.
وتنبّه بركة إلى أن المصاب بتلك المتلازمة أو العقدة يخاف الوحدة والفقد، ويميل لحب تملك الشخص الذي يقدّم له المساعدة، ويحاول السيطرة على مشاعره وتفكيره، ولديه حساسية مفرطة تجاهه، ولديه ميول لأن يكون مثاليًا بطريقة مبالغ بها.
وتشير إلى أن من لديه "عقدة المخلص" لوام إذ يلقي اللوم على الآخرين، لأنه يشعر بدرجة عالية من العظمة، لا ينظم انفعالاته ومشاعره.
وتقول بركة: "لدى المُخلص مجموعة من الأفكار اللاعقلانية، يربط رضاه عن نفسه بحل مشكلات الآخرين، ويربط تقديره لنفسه بتقدير الناس له، ويميل للفت انتباه الآخرين عبر افتعال المواقف، لإثارة إعجاب الآخرين".
و"متلازمة الفارس الأبيض" تجعل حياة الشخص الاجتماعية "جحيمًا"، كما تقول بركة، فهذا الشخص يحل مشكلات الناس على حساب خسارته المادية والصحية ووقته مع أطفاله، لأنه يفضل الانسحاب الكامل من حياته الأسرية، ويمكن أن تؤدّي به إلى الانفصال عن شريكته، أو ممارسة العنف تجاهها وتجاه أطفاله.
وتنصح بركة الأشخاص الذين لديهم "عقد المنقذ" بأن يعيدوا حساباتهم، "فالضرر وراء السلوك الاجتماعي والإنساني غير المتوازن سيترك أثرًا سلبيًا على الحياة الأسرية ويصيبها بتوتر دائم، "لذلك عليك التوقف عن الاندفاع، والاكتفاء بالاستماع السلبي، وتشجيع الآخر على دعم نفسه بنفسه، فالجميع يريدون استنفاد قدراتك دون مقابل".